بقلم أ.د/ غانم السعيد
عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر
خمسة وسبعون عاما عبرتها طالب علم ، ثم باحثا ، ثم أستاذا داعية إلى الله في مصر وخارجها، ثم مفتيا، ثم رئيسا لأعظم جامعات العالم، ثم حطت بك الرحال لتكون إماما وشيخا لأهل السنة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها. وفي كل محطة من هذه المحطات كانت لك من الإنجازات والابداعات ما يحتاج الحديث عنه إلى كتب ومؤلفات.
ولو توقفنا قليلا عند هذه المحطة الكبرى(مشيخة الأزهر) فقد أضفيت على المنصب مهابة ووقارا، فاستقبلك الملوك والأمراء والرؤساء استقبال العظماء حتى أن كثيرا منهم كسروا بروتوكولات الاستقبال إعزازا لقدرك وتقديرا لشخصك، وقد أضفيت هذا الوقار وتلك المهابة على مبتعثي الأزهر إلى بلدان العالم فوضعت شروطا دقيقة لاختيارهم من ناحية الشكل والمضمون، ثم كرمتهم بزيادة مرتباتهم زيادة غير مسبوقة حتى أصبح أساتذة الجامعة يغبطونهم على كرمك لهم.
ثم عم وطم كرمك للوافدين حتى سموك (أبو الوافدين) ، ففتحت باب المنح على مصراعيه حتى بلغ عددهم في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر ما يقرب من أربعين ألفا، واهتممت بكل صغيرة وكبيرة في حياتهم (مسكنهم -ملبسهم- طعامهم وشرابهم – نشاطهم الثقافي والرياضي- تكريم المتفوقين منهم بتحمل تكاليف حجهم إلى بيت الله الحرام- تذكرة سفر لكل واحد منهم إلى بلده ذهابا وإيابا كل سنتين لزيارة وطنه وأهله).
وبإبداع غير مسبوق أنشأت لهم برلمانا تعقد جلساته في مكتبك وتحضره كبار القيادات في الأزهر في المعاهد والجامعة ، يناقش فيه الطلاب كل مشاكلهم بحرية كاملة وأنت تجلس بمهابتك ووقارك تتابعهم عن كثب وتوجه المسئولين بضرورة الحل السريع وتبليغك شخصيا بما تم.
ثم كانت من مكرماتك لهم أنك خصصت لهم ركنا في مجلة الأزهر -وهي من أقدم وأعظم المجلات في مصر والعالم العربي- لينشروا فيها مقالاتهم وإبداعاتهم.
كما أنشأت لهم مركز تطوير التعليم للوافدين ليقوم بدور مهم لخدمة الطلاب الوافدين. وأخيرا كان من أفكارك غير المسبوقة -مولاي صاحب الفضيلة – أنك أصدرت تعليماتك للإفادة من خريجي الأزهر المتميزين من الوافدين ليقوموا بالدور الذي يقوم به مبتعثو الأزهر في بلادهم من خلال عقد مسابقة يختار من خلالها الأفضل منهم لأداء هذه المهمة على أن يتحمل الأزهر دفع مرتباتهم .
كما كنت – سيدي – صاحب الفكرة المهمة في تعيين واعظات يعملن بجانب زملائهم من الوعاظ في مواجهة الأفكار المتطرفة، وكانت تجربة رائدة غير مسبوقة في مجال الدعوة في أي دولة من دول العالم، وها هن الواعظات اليوم يظهر أثرهن عند المرأة في القرى والنجوع والعزب وأيضا في المدن حيث يسهمن في خلق حالة من الوعي لدى المرأة المصرية حول القضايا المجتمعية من خلال الدين بوسطيته واعتداله، وهذه الخطوة الجريئة تكشف عن مدى تقديرك لدور المرأة، وأنهن عندك شقائق الرجال في تحمل المسئولية تجاه مجتمعهن وأمتهن.
كما أنك بهذه الخطوة تؤكد على أن هؤلاء الواعظات يقمن بنفس الدور الذي كانت تقوم به أمهات المسلمين في تبليغ النساء عن رسول الله أمور دينهن، وتوضيح الأحكام الشرعية التي لا يستطيع رسول الله تبليغها لهن.
ثم خصصت لهن إحدى العالمات الفضليات الأستاذة الدكتوره إلهام شاهين لتكون الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات لتتولى أمرهن، وتسهل مهمتهن، وتحل مشاكلهن، وتعمل على تطوير أدائهن.
وكان آخر عنايتك بهن أنك وافقت لهن على إصدار صحيفة (الواعظات) لتكون منبرا آخر يستخدمنه للدعوة إلى الله من خلال أقلامهن،كما زدتهن كرما وتكريما بأن جعلتها تصدر مع مجلة الأزهر، وتوزع معها فولدت مجلتهن قوية بقوة الأم التي نشأت في رحابها وفي حجرها.
وتتواصل- مولاي – تجليات الأفكار المبتكرة لديك، فأنشأت بيت العائلة الذي يلم شمل المصريين على اختلاف طوائفهم في وقت حاولت بعض الجماعات المارقة تفريق شملهم، وزرع الفتن بينهم، فجئت ببيت العائلة لتعيد لكل المصريين دفء العائلة. كما أنشأت- سيدي – ييت الزكاة والصدقات ليمد أهل العطاء والخير أيديهم من خلالكم بالعطاء لمن يستحقونه من الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى…الخ. إمامنا وشيخنا.
هذا غيض من فيض إنجازاتكم التي لا تحصى.. ويبقى أن نقول لفضيلتكم في مناسبة تمام العام الخامس والسبعين من عمركم المديد بالخير واليمن والبركات. كل عام وأنتم- شيخنا وإمامنا- في صحة وعافية.