تحليل كتبه: أحمد تركي
ارتبط الإنسان العُماني بالنخلة على مر العصور، ارتباطا دينيا وجغرافيا وتاريخيا، واهتم بها الآباء والأجداد وازدهرت زراعة النخيل في كافة ربوع السلطنة، وباتت تمثل له موروثا زراعيا واقتصاديا فهي تمثل نسيج الوطن والمواطن و تعد أحد مصادر الدخل القومي ومرتكزاً ثابتا لديمومة الأمن الغذائي ورافد مهم من روافد دعم الاقتصاد الوطني، لما تمتاز به من شهرة عالمية.
إذ شكلت النخلة في سلطنة عُمان على مر العصور مصدراً غذائياً وإنشائياً وحرفياً، وذلك للمجالات التي تدخل فيها هذه الشجرة الطيبة، سواء بتحولها إلى أمن غذائي، أو استخدام جريدها وسعفها في بناء المنازل والمساجد، وفي الحرفيات والأواني والتي جعلت من النخلة مصنعًا شاملًا.
لقد كانت النخلة كالأم بالنسبة للإنسان العماني على مر العصور، من حيث تمسكها بأهداب الحياة ومقاومتها للعطش والجفاف والتصحر، وإصرارها على أن تمد الحياة المعيشية بخيراتها، ووقاية الناس من حر القيظ، لذلك كانت العلاقة بين النخلة والإنسان العماني علاقة إخلاص ووفاء، فمثلما حرصت على أن تكون بجوار صاحبها تمده من خيراتها، وتؤمِّن له غذاءه ليبقى على ظهر البسيطة، حرص هو الآخر على العناية بها من حرث وسقي وتقليم وتجميل وتأبير.
ويعد نخيل التمر المحصول الأول في سلطنة عمان تعداداً وانتشاراً ونظاما بيئيا وزراعياً متكاملاً، لذلك فهي ثروة وطنية تمس نسيج الوطن بجميع مفرداته وتمس حياة المواطنين بصفه مباشرة وغير مباشرة. وعليه فان تعظيم مردودها الاقتصادي والمائي والاجتماعي والبيئي أمر في غاية الأهمية وخاصة مع الأخذ في الاعتبار ارتباطها الوثيق بنظام الافلاج في عُمان، ذلكم النظام المشهود له عبر التاريخ من حسن إدارة للمورد المائي وما فرضه من أسلوب الزراعة المتعددة التي ترمي إلى الاستفادة المثلى من كل قطره ماء ومن النظام البيئي الذي تنتجه زراعة نخيل التمر.
ولا شك أن هذه العلاقة أخذت مع الزمن تتطور، فقد أولت الحكومة العُمانية ممثلة في وزارة الزراعة والثروة السمكية اهتماماً خاصاً بالنخلة، ولعل قيام الوزارة بتوسيع مهرجان التمور يعكس الزيادة في أعداد المواطنين المنتجين، وكذلك نسبة الإقبال على مثل هذه المهرجانات، وحرصًا منها على تشجيعهم وتشجيع الآخرين، وعلى إبراز المنتج العماني داخل السوق العماني وخارجه.
إن النخلة إذا كانت تمثل لدى الإنسان العماني منذ القدم موروثا حضاريا وثقافيا متأصلا ومرتبطًا بحياته وتعاملاته اليومية، وشاهدا تاريخيا على علاقته بالزراعة وانتمائه للأرض والنخلة، فإنها في الجانب الآخر لعبت دورا في تنمية المجتمع، وفي رفد الاقتصاد الوطني بما يعزز موقعها كمفردة ثمينة من مفردات الطبيعة العمانية، وتمثل فرصة مناسبة وجيدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للدخول في هذا المجال الواعد
وخلال مسيرة البناء والتنمية المستدامة، أولت الحكومة العُمانية أولوية كبيرة، لجعل النخلة بثمارها رافدا ً داعماً للاقتصاد الوطني، من خلال العمل على إقامة الفعاليات المرتبطة بالتمور، فأنشأت مهرجان التمور العمانية، والذي يعقد سنوياً مع موسم حصاد التمور في سلطنة عُمان.
وينظم المهرجان وزارة الزراعة والثروة السمكية بالتعاون مع الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة “ريادة” كما يتم تدشين الفعاليات المتعلقة بتنمية وتطوير صناعة التمور، وذلك بهدف التعريف بقيمة التمور العمانية وبيان أهميتها من الناحية الغذائية والصحية والعمل على تعزيز الوعي الثقافي والتراثي بمكانة النخلة للإنسان العماني الذي أعدها فرد من أفراد أسرته فيما مضى من الزمان.
وقامت وزارة الزراعة والثروة السمكية بإعداد وثيقة الاستراتيجية الوطنية للنهوض بنخيل التمر وخطتها التنفيذية، بهدف تعظيم العائد الاقتصادي والمائي والاجتماعي والبيئي لزراعة نخيل التمر بالسلطنة على المستوى الفردي والوطني، واعتمدت على تقسيم التمور حسب استخدامها لتمور مائدة وتمور تصنيعية لتحديد مجال التطوير والتخطيط له.
وحددت أهدافا أساسية شملت انتاج ثـمار نخيل عالية الجودة تتناسب وطبيعتها الاستهلاكية كتمور مائدة أو تمور تصنيع، وتسويق المنتج محلياً وخارجياً على مدار العام وإيجاد الصناعات التحويلية المناسبة، وتسويق منتجات النخيل الاخرى بتصنيعها وتحقيق القيمة المضافة عليها، ورفع إنتاجية النخلة وتقليل كلفة مدخلات الإنتاج، ووقايتها وحمايتها من الآفات والأمراض وتقليل الفاقد من إنتاج النخيل قبل الحصاد وبعده، وتنظيم زراعة النخيل، والعمل على حماية أصناف النخيل العمانية.
وتنفيذا لتلك الاستراتيجية، تم خلال عام 2018 تأسيس شركة (تنمية نخيل عمان) كشركة مساهمة عمانية مقفلة قابضة للتمور مملوكة من قبل ديوان البلاط السلطاني ممثلا بالمديرية العامة لمشروع زراعة المليون نخلة والشركة العمانية لتنمية الاستثمارات الوطنية «تنمية» بحيث تقوم الشركة القابضة بشراء ثمار النخيل ومنتجاتها الثانوية من مشروع زراعة المليون نخلة، كما تقوم بتوفير المصادر المادية كالأراضي والطاقة والمياه والتصاريح البيئية بجانب المصادر المعنوية كالخبرات حسب الحاجة. وتم اختيار مدينة نزوى لإنشاء المجمع الصناعي الرئيسي للشركة لمنتجات النخيل، ويقدر حجم الاستثمارات التي تشمل الوحدة المركزية لمعالجة التمور والصناعات القائمة على التمور وكذلك الصناعات القائمة على المنتجات الثانوية بحوالي 92 مليون ريال عماني.
وخلال يناير الماضي 2020 تم طرح أربع مناقصات لإنشاء المجمع الصناعي، حيث تسعى الشركة إلى تطوير هذا المجمع المختص بمعاملات “ما بعد الحصاد” من أعمال النقل والتعقيم والتخزين والفرز والتعبئة وجميع الصناعات التحويلية ذات العلاقة وفق أفضل المعايير والممارسات في الصناعات الغذائية.
تتضمن مناقصات المرحلة الأولى للمشروع الأعمال المدنية لإنشاء المجمع الصناعي وأعمال توريد وتركيب الهياكل الحديدية للمجمع وكذلك أعمال توريد وتركيب محطة التبريد للمخازن المبردة والأعمال الكهربائية والميكانيكية المصنعة للمجمع.
يُشار إلى أن إنتاج السلطنة من التمور بلغ نحو (369) ألف طن في عام 2018، وجاء “النغال” في مقدمة الأصناف المنتجة حيث تم انتاج 36.4 ألف طن، يليه “الخصاب” بنحو 34.8 ألف طن، والخلاص بكمية قدرت بنحو 33.7 ألف طن، و “المبسلي” بحوالي 32.2 ألف طن، و”أم السلا” بنحو 29.8 ألف طن.
ووفقاً للإحصائية الأخيرة التي نشرتها وزارة الزراعة والثروة السمكية العُمانية، بلغ عدد النخيل في السلطنة 7.6 مليون نخلة في الحيازات الزراعية، بالإضافة إلى 800 ألف نخلة في الحدائق المنزلية، وحوالي 200 ألف أخرى في الشوارع والمتنزهات العامة و600 الف نخلة ضمن مشروع المليون نخلة.