بنو إسرائيل والملوك!
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
دأب بنو إسرائيل، منذ أن صار يوسف عليه السلام الوزير الأول ومستشار ملك مصر، على حب الملكية وطلبها والخضوع لها، بعد أن رأوا النعيم والأمن في عهد النبي الوزير، حتى أنهم ظلوا في مصر تحت حكم ملوك جبارين، يقتلون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وفي ذلك بلاء من ربهم عظيم، حتى خلصهم النبي موسى من هذه المذلة، لكن حياتهم في ظل الملكية كانت تتفق مع طبيعتهم الخبيثة في استغلال ضلال الملوك، والإثراء على حسابهم، مثلما فعل قارون.
وهم مع إسلامهم مع النبي موسى إلا أنهم فسقوا عن طاعته في غيابه وبعيدا عن سطوته، واتخذوا العجل تجسيدا للإله مثل عبدة الأصنام. وحتى بعد توبتهم ظلوا يطلبون ملكا لهم من بعد موسى، وحتى مع وجود نبي، بل كانوا يطلبون ملكا غنيا منهم،(وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء. البقرة).
ومع أن الله جعل لهذا الملك آية، إلا أنهم خرجوا عن طاعته عندما أمرهم أن لا يشربوا من نهر في طريقهم لمحاربة أعدائهم، وما كان له من أثر سلبي عليهم، إلا أن الله مكَّن داود من قتل عدوهم، وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء، ولابنه سليمان من بعده.
لقد كان في النبي داود وابنه النبي سليمان عليهما السلام آيات للسائلين، يقول الله سبحانه عنهما: (ولقد آتينا داود وسليمان منا علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين).(النمل) لقد أنزل الله على داود زبورا، وآتاه الملك، (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين، وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون.الأنبياء)، (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد، أن اعمل سابغات وقدر في السرد. سبأ).
وورث سليمان داود وقال: (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين.(النمل)، (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات. سبأ)، (ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين.(الأنبياء) (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون، حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون.(النمل).
لكن الله سبحانه لم يهبهما تلك النعمة العظيمة إلا من بعد أن اختبرهما. (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب، إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب، قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب. ص).
أما عن سليمان: (إذ عُرض عليه بالعشي الصافنات الجياد، فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت في الحجاب، ردوها إلي فطفق مسحا بالسوق والأعناق، ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب. ص).
لكن الله سبحانه جعل الحكمة متوارثة من الأب لابنه، سواء في الثروة والحكم أو في العلم، يقول تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيهما غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما.(الأنبياء).
ولعل السؤال هنا: لِمَ يفضل بنو إسرائيل الملوك على الأنبياء؟ وكيف يتعاملون معهم؟ ولماذا لعن النبي داود بني إسرائيل: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود. المائدة)؟
إن بني إسرائيل أهل فساد وفتنة، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت. من ثم يكون حكم الملوك بيئة تسمح لهم بممارسة ما يعشقونه من الفساد في الأرض وفتنة الناس وبث الفرقة بينهم، حتى بين المرء وزوجه. (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين.البقرة).
وحكم الملوك نظام بغض النظر عن الاسم الذي يطلق عليه، سواء كان جمهورية أو دولة أو اتحادا أو غير ذلك. وإن الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها مواجهة فساد بني إسرائيل في العالم هي العقيدة الصحيحة الموحدة لله الواحد، واتباع منهجه في الحياة، كما قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. يوسف).