الدكتور مجاهد توفيق الجندي في ذكراه الثانية.. طبت حيا وميتا.. أيها العالم والإنسان
بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
يوم 26 من ديسمبر هو يوم أليم على نفسي وقلبي وعقلي ووجداني؛ سمعت فيه صرخات قلبي بأم رأسي.. فيه فقدت شخصا لا تستطيع الكلمات أن تصف مقامه ومكانه ومكانته في سويداء قلبي… فيه فقدت أغلى وأرقى وأعظم إنسان… فقدت الرافد المتدفق بالعطاء والداعم والسند بعد الله تعالى.. فقدت الموجه والمعلم والمربي، وباعث الأمل، وشاحذ الهمم.. ومهدئ الروع.. وناشر الخير، وباذل المعروف… الذي عاش في دنيا الناس على طبيعته وسجيته الطيبة وسجايا الطيبين والصالحين.فقدت مَن علمني صناعة الخير، وصناعة الإتقان، وصناعة المجد، والتواضع مع كل مخلوقات الله، وفتل حبال العلائق الطيبة مع الجميع… فقدت مَن وضع أقدامي مبكرا على الطريق الصحيح والمسار الآمن..وما تزال أقواله وعباراته الخالدة تطرب القلب والعقل وتطرق الأذن والوجدان، ومن بينها: (الخير قادم.. الخير قادم.. الخير قادم… والمستقبل يحمل الخير)، (الجواب اللين يصرف الغضب)، (إرضاء الناس غاية لا تدرك)، (الطعام الجيد يطرد المرض)، وأيضا يحذر من الإفراط فيه فيقول: (مَن أكل كثيرا نام كثيرا، ومن نام كثيرا فاته خير كثير)، (اللي يتعب وهو صغير يستريح وهو كبير، واللي يستريح وهو صغير يتعب وهو كبير)، وكان يعشق التاريخ فيقول: (مَن حوى التاريخ في صدره، فقد أضاف أعمارا إلى عمره) وغيرها من العبارات الجليلة التي دائما ما كان يرددها لتلاميذه وفي كل مكان، وكان لصدقه وصدق أقواله تسري في أوصال طلابه باعثة
في نفوسهم الأمل والعمل..
واليوم 26 ديسمبر 2020م تحل علينا الذكرى الثانية لرحيل رجل من أغلى الرجال، وعالم كبير لا يُشق له غبار، إنه فضيلة أ. د/ مجاهد توفيق الجندي، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، وعضو اتحاد الآثاريين العرب، وعضو اتحاد كُتَّاب مصر، وعضو الجمعية المصرية للحفاظ على التراث المصري، وعضو جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة بوزارة الثقافة المصرية، والملقب بـ “مؤرخ الأزهر”.
وهو صاحب حملة: “يا سادة: أنقذوا ما بقي من تراث الأزهر”، التي نشرت في مجلة منبر الإسلام “العدد التذكاري” بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر الشريف 1983م، وكان له دوي هائل لدى المسئولين، وبناءً عليه وضعت بمقتضاه الخطط والترتيبات المالية لإنشاء مكتبة جديدة تليق بالأزهر العملاق في عهد الإمام الأكبر الراحل الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر (رحمه الله)، وقد خصصت إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة برنامجًا حواريًّا له بعنوان: “الأزهر تاريخ ورسالة” عام 2008م مع الإعلامي القدير الأستاذ عادل عبد القادر، المذيع بإذاعة القرآن الكريم، واستعانت به إدارة راديو وتليفزيون العرب ART في مراجعة عدة أفلام ومسلسلات إسلامية وتاريخية (مراجعة دينية وتاريخية) قبل عرضها، ومن بينها: “بستان الإسلام، وهدهد له أسرار” سنة 1992م.وأشرف على أكثر من 20 رسالة للماجستير والدكتوراه، وقام بعمل معرض “وثائق الأزهر وتراثه” في الأسبوع الثقافي الذى أقيم في مركز صالح كامل في جامعة الأزهر بالاشتراك مع جامعة اليرموك الأردنية، كما قام بعمل عدة معارض للخط العربي وأدوات الكتابة، في الجزائر والباكستان وعدة دول أخرى.وكان خطاطًا موهوبًا وعازفًا بارعا للناي، وقد شارك في حرب أكتوبر 1973م وكان وقتها برتبة ملازم أول في سلاح المدرعات، وكان محبًا للخير عطوفًا متيمًا بقريته وأهلها وذوي رحمه، والذي رحل عن عالمنا عصر يوم الأربعاء 17 ربيع الثاني 1440هـ/ 26 ديسمبر 2018م، عن عمر ناهز 76 عامًا، قضاها في العلم والبحث والتدريس والتوثيق والتأليف.
مولده ونشأته ونتاجه:
ولد الدكتور/ مجاهد توفيق علي الجندي في 9 يناير عام 1942م بقرية بِلُوس الهوى – مركز السنطة – محافظة الغربية، وتتلمذ على كبار علماء عصره أمثال الدكتور بدوي عبد اللطيف، والدكتور محمد الطيب النجار، رئيسا جامعة الأزهر السابقين، والدكتور عبد العزيز غنيم، وكان شغوفًا بالتربية الإسلامية والتأريخ لها، وتميزت كتاباته بالموسوعية والتوثيق بالوثائق النادرة، حيث ألَّف عدة موسوعات، من أبرزها: دراسات وبحوث جديدة في تاريخ التربية الإسلامية، وموسوعة تاريخ الأزهر الشريف في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر، وموسوعة الجامع الأحمدي شقيق الجامع الأزهر، وموسوعات في الكتابة العربية والفنون الإسلامية، وكان رحمه الله شغوفًا بالكتابة الموثقة بالوثائق النادرة عن العلماء والأدباء والمفكرين، وقضى عمره متجولا بين القرى والنجوع في شتى ربوع مصر؛ لجمع معلومات ووثائق عن العلماء والفقهاء وتوثيق تراثهم.
شخصيته:
اتسمت شخصيته بالأصالة والبساطة والتواضع والعفاف وحب الناس والكرم والسخاء لدرجة أنه كان يكاد يُخرج اللقمة من فمه ليعطيها للآخرين، خصوصا الطلاب الوافدين، وكان منفتحًا ومستنيرًا على شتى التيارات الفكرية والثقافية، وكان من أرباب الصوت الجميل الخاشع بالقرآن العظيم، وكان رحمه الله رائدًا في تشجيع ورعاية طلاب العلم الوافدين من شتى البلاد للدراسة في الأزهر الشريف، يحنو عليهم ويحقق أمانيهم، ويدبر أمورهم حتى لا يشعروا بآلام الغربة، وكانت مكتبته وبيته مفتوحًا لهم ولطلاب العلم على الدوام، وكان دائمًا ما يبعث الأمل في النفوس بعباراته الشهيرة: “الخير قادم.. الخير قادم.. الخير قام.. المستقبل يحمل الخير”.كان رجلًا من خيرة الرجال، وعالمًا ومؤرخًا ومدققا ومحققا في التراث ومجاهدًا كبيرًا لا يُشق له غبار، وكان دائما ما يحب التميز والتفرد في كتاباته وأبحاثه ومؤلفاته، يغوص ويغوص في بحار المخطوطات، وينبش في ركام الكتب والمراجع القديمة ويرمم المخطوطات المتهالكة؛ ليخرج للعلماء والباحثين والدارسين والمهتمين لآلئ التاريخ محققة موثقة بأندر الوثائق، ومن ثم يأتي للعالم بالجديد، ويقول لطلابه: “لابد أن نترك المطروق، ونطرق المتروك” أي نبحث فيما تركه الناس ونبرع فيه.
علاقته بالشيخين محمد الغزالي، وجاد الحق (رحمهم الله جميعا):
وكانت له آراء سديدة في آليات تطوير الأزهر الشريف، وكان رحمه الله من المقربين جدًّا من فضيلة الإمام الأكبر الراحل الشيخ/ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الشريف (رحمه الله)، وقد مثَّل فضيلته في كثير من المحافل الدولية ومثَّله في جامعة الدول العربية، وكان من أشد المدافعين عن القدس الشريف، ومن كبار المتضامنين مع الأخوة الفلسطينيين، وقد زامل فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي (رحمه الله) في التدريس بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بمدينة قسنطينة بالجزائر فور افتتاح الجامعة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كما درَّس في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد وقضي هناك عدة أعوام، ودرَّس أيضا في الجامعات اليمنية والليبية وغيرها.
قالوا عنه:
استأذن القارئ الكريم أن أنقل له بعضا مما سطّره العلماء وقادة المؤسسات ورؤساء الجامعات حول العالم عنه رحمه الله، حيث نعاه معالي الشيخ الدكتور أحمد بن يوسف الدريويش، رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد بباكستان، بقوله: “كان أستاذًا جامعيًّا قديرًا جادًّا، وواحدا من أعلام الأزهر الميامين، ورجاله الصادقين، كان حجة في الأنساب، وصاحب ذاكرة قوية، وكان رحمه الله طيبًا سمح النفس لا يهتم إلا بالجوهر، يدلف إلى القلب من أول وهلة، ومؤرخ من طراز رفيع لا يُشق له غبار، تمكنت صفة الجد والاجتهاد في أقواله وأفعاله وتصرفاته”.
ونعاه مجلس الأئمة الفيدرالي بقارة أستراليا إلى الأمة الإسلامية على لسان المفتي العام للقارة الأسترالية سماحة أ. د/ إبراهيم أبو محمد، بقوله: “كان واحدا من كبار العلماء المحققين والموثقِين لتاريخ الأمة الإسلامية وحضارتها.. صاحب الأعمال العلمية والموسوعية الفريدة، والذي تفنن في خدمة التراث الإسلامي، وخدمة طلاب العلم الوافدين للدراسة بالأزهر الشريف، والذي كان محل ثقة شيوخ الأزهر”.
ونعاه القاضي الدكتور ماهر خضير، عضو المحكمة العليا في فلسطين: “والحق لقد فقدت الأمة الإسلامية عالما وعلما ومؤرخا إسلاميا كبيرا له تاريخ بل عنده وبحوزته تاريخ الأمة والتاريخ الإسلامي، كان شغوفا ومحبا للأقصى المبارك، قال لي ذات يوم إن أمنيته هي الصلاة في المسجد الأقصى المبارك والدعاء فيه، وكان دائما يوصيني بالدعاء له في المسجد الأقصى، وكان رحمه الله دائما عندما ألتقي به في المعادي -وهو مكان مسكنه الذي لا يبعد كثيرا عن شقتي بالمعادي بالقاهرة- يقول لي: متى ستأخذني إلى القدس الشريف للصلاة في المسجد الأقصى، وفي يوم الجمعة 28/12/2018 حققنا للدكتور مجاهد جزءا من أمنية كان يتمناها وهي الصلاة عليه والدعاء له في المسجد الأقصى المبارك ولكن بعد وفاته”.
ونعاه الاتحاد العام للآثاريين العرب على لسان أمينه أ. د/ محمد الكحلاوي: “ببالغ الحزن والأسى والألم ننعي للعالم العربي فقيد العلم والعلماء، الذي كان له باع كبير في دعم مسيرة الاتحاد منذ أكثر من عشرين عاما”.
ونعته جامعة بلاد الشام ومعهد الفتح الإسلامي بدمشق على لسان رئيسها سماحة أ. د/ حسام الدين فرفور: “عرفنا في أ. د/ مجاهد الجندي العالِم العامِل المجاهد حقا في نشر رسالة الإسلام، والحرص على الإفادة والاستفادة والتوثيق والتأريخ، مع صفاء السريرة ونقاء الطوية وكرم النفس ونبل الطبع والأنس، حاملا لواء الأزهر الشريف، لواء العلم والحقيقة، لواء العروبة والاسلام، لواء مصر بلد العروبة والإسلام والعلم والحضارة والأزهر الشريف”.
ونعته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بالجزائر على لسان رئيسها معالي أ. د/ السعيد دراجي: “كان أستاذا متميزا في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، نشطا في رابطة الجامعات الإسلامية، وأستاذا سابقا بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، زامل الشيخ محمد الغزالي في الجامعة ودرَّس السيرة النبوية لأبنائنا، فكان إضافة علمية مميزة”.
قال عنه العلامة أ. د/ سعيد إسماعيل علي، المفكر التربوي الكبير: “كان من العلماء الأفاضل الذين يتصفون بأنبل الصفات وأكرمها، الذين ينصرون دعوة الله، وينشرونها، ويدافعون عنها.. وكان في مقدمة من فعل ذلك، أقول ذلك عن خبرة به، ومتابعة، لا من قبيل المجاملة والمواساة، والله على ما أقول شهيد”.
وقال عنه الأديب الكبير أ. د/ محمد طه عصر: “أُشهد الله أنه كان مثقوب الجيب والكف، ينطوي على عرق حاتمي، ينفض يديه بالكرم، ويجعل لمن أكل طعامه وشرب شرابه حق الأخوة، كما تكون الرابطة بين إخوة الدم والرضاع”.
وقال عنه د/ السيد نجم: “كان رحمه الله كان أزهرا يمشي على الأرض”.
ووصفه أ. د/ عبد المنعم العدوي بأنه “كان ذاكرة الأزهر البشرية قبل الذاكرة الرقمية”
وقال عنه أ/ خالد الشيخ: “عن أي مجال نتحدث عن د/ مجاهد؟ عن الدكتور، أم الشيخ، أم الفنان، أم الإنسان، أم العالِم، أم المحب لأهله وقريته ووطنه ودينه.. لقد عشق التاريخ؛ حتى أصبح هو نفسه تاريخًا.. لم أنس أنه المريض الوحيد الذي رأيته يعطي لزائريه العطايا الكثيرة -حتى وهو في العناية المركزة- ولا يأخذ منهم.. اللهم ارحمه وعافه واعف عنه”.
وقال عنه تلميذه أ/ قمر الدعبوسي: “كان كالجبل الأشم تهفو العيون والقلوب إليه.. سحرنا بأسلوبه اليسير وعلمه الغزير.. تغذينا من علمه وطرائفه وطيبة قلبه، وكان يجعلك كأنك تعرفه منذ سنوات”.
ونعاه زميله أ. د/ عبد المقصود باشا، بقوله: “كان -رحمه الله- رجلًا صالحًا، وكان قلبُه كالمسك وربُّ الكعبة، والله والله ما رأيت رجلًا طيب القلب، زكي النفس مثل هذا الرجل؛ ما حمل في حياته غضاضة لأحد؛ حتى مَن أساء إليه لا يذكره بسوء، وهذه نادرة النوادر في هذا الزمان!! إنه بسمة زمانه، وعنصر أمانه، يخالجك شعور وأنت تجلس معه أنك مع إنسان مؤتمن عليك، فتبيح بما في صدرك له، فيهدهد قلبك بكلمات تلامس هذا القلب، بل وتدفئه، فتحس ببرد يلامس هذا الصدر فيهدأ بعد عنف، وتطيب له الحياة بعد أنْ ضاقت، أشهد أنه ما أتى بذكر أحد بسوء، حتى مَن أساؤوا إليه، وكان يحنو على الآخرين ولا يجد من يحنو عليه!!، وهو الآن بين يدي الحامي الأعظم، والمداوي الأكبر، فرضي الله عنك يا شيخنا الجليل ورحمك الله يا مَن لم نر منك في طيلة حياتك إلا طيبة القلب، ورفق النفس، وحب الناس”.
وقال عنه د/ أحمد عيد عبد الفتاح: “أَبَى -رحمه الله- إلا أن يقف في الصفوف الأولى بين المؤرخين العظام الموثوقين، الذين يقولون فيُوثقون ما يقولون، ويحكمون على الأشياء فيُعلنون أسباب أحكامهم، فلم يكن من الذين يقذفون بالظَّنِّ في أقوالهم وعباراتهم من مكانٍ بعيدٍ لإصابة هدفٍ أو تحقيق غرضٍ.. ولما كنت أعمل في الكنترول أرى في ورقة أسئلته لوحةً فنيةً رائعةً، رسمها فنانٌ مبدعٌ بخطه الدقيق، وكان دقيقًا في تصحيح أوراق الإجابة، يجلس بجواري في كنترول الدراسات العليا، فيستغرق وقتًا كبيرًا في تصحيح الوُريقات؛ ليُعطِي كلَّ طالبٍ ما يستحقه من درجاتٍ. كان يُدخل السرور على كلِّ من يقابله من زملائه في الكلية بعباراته المرحة وروحه الطيبة.. أذكر أنَّهُ دخل عندنا كنترول السنة الرابعة ليأخذ أوراق إجابة مادته التي كان يُدرسها، فلقيه زميلنا د/ أحمد نجيب، فسأله يرحمه الله عن اسمه، فقال: (أحمد نجيب)، فقال أستاذنا الراحل مداعبًا: لو تحولت الهمزة في أول اسمك إلى ميم لصرتَ رئيس جمهورية، فضحكنا جميعًا لهذه البديهة الحاضرة والفكاهة السريعة”.
وقال عنه أ. د. غانم السعيد عميد إعلام الأزهر: “لم أر رجلا صاحب همة في مساعدة الناس والحرص على قضاء حوائجهم وفهم احتياجاتهم، من مجرد النظر إليهم،كما رأيت ذلك في أستاذنا مجاهد الجندي عليه رحمات الله”.
وقال عنه السفير الدكتور/ أشرف عقل، مساعد وزير الخارجية السابق: “عرفت الفقيد الراحل رحمة الله تغشاه إبان عملي سفيرا لمصر المحروسة لدى فلسطين مقيما في قطاع غزة خلال عامي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧م حيث فوجئت في أحد الأيام بدخوله مكتبي قائلا أنا مجاهد الجندي أستاذ في جامعة الأزهر، وقد سمعت عنك وأحببتك، وأنت من قرية كذا وأهلك من عائلة كذا؛ فقد كان رحمه الله حجة في الأنساب، وكان طيبا سمح النفس لا يهتم إلا بالجوهر، يدلف إلى القلب من أول وهلة، حيث تشعر في الحديث معه أنه أحد أفراد عائلتك، يبادر إلى الخير ولا يستنكف فعله. وهو مؤرخ من طراز رفيع لا يشق له غبار، بذل مجهودات كبيرة في الحفاظ على تاريخ الأزهر الشريف، وتاريخ الجامع الأحمدي بطنطا”.
وقال عنه أ. د/ سامى مندور: “كان صاحب فكر متقد وحضور ذهن وعزيمة عسكرية لا تلين”.
وقال عنه أ. د/ محمود الصاوي: ” ونشهد أن الابتسامة الصافية، والنظرة الودودة الحانية، والحرص على طلاب العلم المصريين منهم والوافدين، كانت السمة الأبرز في مسيرة شيخنا وحياته، والمغناطيس الذي يجذب إليه القلوب والألباب”.
وقال عنه أ. د/ فوزي عارف إبراهيم: “كان يظهر دوما متواضعا على سجيته، به هيبة العالم، وطيبة الأب الحاني على أولاده.. ضرب عرض الحائط بكل ما يحول بينه وبين التواصل مع طلابه وتلاميذه.. عرفته ذا دعابة، وكان متشعب العلاقات يعرفه الكبير والصغير.. الغني والفقير.. ذو المنصب وغيره.. رجل يذكرك بطيبة الشعب المصري بكل ما مر به من عثرات.. يميل في كثير من الأحيان إلى التقرب من ذوي الحاجة.. كان ذا ميل كبير للقراءة والكتابة والإسهام في المؤتمرات العلمية والمشاركات في الندوات ممثلا عن الأزهر الشريف بعمامته المشهورة المميزة، كان يرحمه الله يأسر القلوب بسرعة فائقة، فتشعر عند لقائك الأول به وكأنك تعرفه من سنين طويلة.. ومع كل الأسف لا نعرف قيمة مَن يعيش حولنا إلا بعد الفراق… رحل عنا الإنسان المتواضع والعالم الموسوعي والنسابة المنقطع النظير”.
وقال عنه د/ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: “كان رحمه الله والدا شفوقا حانيا وعالما كبيرا وبحرا واسعا في المعرفة بتاريخ الأزهر وتقاليده ووثائقه والمخطوطات وترميمها والتعامل معها، وكان حسن الخط جدا، وكان متواضعا للغاية حلو المعشر طيب الصحبة”.
وقال عنه أ. د/ بكر محمود العشري، أستاذ الحضارة الإسلامية رحمه الله: “عرفته وهو في ريعان شبابه يمتلئ نشاطا وحيوية. إن أول ما رأيته كان في اللباس العسكري، وحقيبته التي رأيتها معه فيما بعد لم تكن تفارق يده.. وشاربه الكث.. وبنيانه القوي! دخل علينا قاعة المحاضرات وأنا في الفرقة الرابعة.. فدَّرس لنا مادة الكتابة العربية، وكان يتفانى في شرح المادة وقد أبرز لنا موهبته في الخط العربي.. وقد حُبب إلينا لطيبته وبساطته وعظيم أخلاقه وغزير علمه وإخلاصه..!! ومن نبل صفاته.. أنه دون تكليف من أحد أخذنا في جولات طوّف بنا فيها معالم القاهرة الأثرية.. التي لولاه ما رأيناها ولا علمنا عنها شيئا!! كنت تلمس الفرحة في وجهه بنجاحنا وتفوقنا، وما تأخر يوما عن متابعته لنا والسؤال عنا، إن أعظم ما تعلمت من فضيلته.. تقديره وحبه وخدمته لأساتذته..!! وقد رأيت المجاهد يتفانى في خدمة شيوخه.. وكان رحمه الله برحمته الواسعة عنده وبلا حدود الثقة في نفسه!! ما عهدته والله.. لا يخشى من أحد إلا الله.. يعمل ما يطمئن إليه قلبه.. والدليل على ذلك من يرتدي مثل عمامته؟!”
وقال عنه أ. د/ محمد عبد السلام العجمي وكيل تربية الأزهر السابق: “كان واحدًا من أعلام الأزهر الميامين ورجاله الصادقين، عاش في ذاكرة الأزهر ولها حافظا مُحافظا.. ولتاريخه مناضلا مؤرخًا.. عاش في قلب الأزهر وامتلك الأزهر قلبه.. وملأ عليه حياته.. قضى معه ليله ونهاره.. صباه وشبابه وشيخوخته.. عاش به وسافر به وعاد به ورحل به. كان للأزهر وبه ومعه مجاهدا فنال سؤددا وتوفيقا.. ستظل كتاباته في الدنيا.. وفي الآخرة إن شاء الله ناطقة، تحكي همًّا وهمةً، تروي انتماء ووفاء”.
تكريمه:
ونظرًا لدراساته وبحوثه المتميزة في وثائق الأزهر وغيرها، فقد كرَّمته كثير من الجامعات والمؤسسات منها اتحاد المؤرخين العرب الذي كرَّمه بدرع شوامخ المؤرخين العرب، وهذا الدرع لا يعطى لأي أحد، وإنما يعطى لأناس بذلوا مجهودات كبيرة وألفوا مؤلفات رصينة تنفع الأمة الإسلامية، وتفيد المكتبة العربية والإسلامية.
وكرَّمته الجزائر الشقيقة ممثلة في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بمدينة قسنطينة، في احتفالية كبرى على هامش انعقاد الملتقى الدولي حول الفكر الإصلاحي عند الإمامين عبد الحميد بن باديس وبديع الزمان سعيد النورسي.
طبت حيًّا وميتًا يا خالي وشيخي وأستاذي ووالدي العظيم وأسكنك الله فراديس الجنان مع الخالدين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر بجوار سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم).