سماح بني داوود سمراء نبتت في موطن الزّيتون
ونوّرت في قفصة البيّة
بقلم الأديبة/ فتحية الهاشمي
” خمائل حالمة ” هي ” نار حطبها ثلج ” وهي ” حجرة البورا و تسابيح العودة إلى موطن الزّيتون ” تلد ” قُبَل منتحرة ” ، وقد تقصّدت شكل كلمة ” قُبَل ” عن سبق إصرار و إصرار و سأبيّن للقارئ سبب ذلك وهو لعمري سبب وجيه جدّا و هو شخصيّ بحت ، فقد سبق و التبست عليّ قراءة العنوان حتّى وقت قريب و قلّبته على أوجه عدّة و لم تستقم التّسمية في ذهني و عقلي إلآ و أنا أعود لمصافحة ” السّمراء” و للسّمرة معي أحاديث كثيرة و أسرار متعدّدة و متعدّيّة ، بدءا بوجه أبي و انتهاء بوجه أبي أيضا ووجه أحاول ألان استبطانه و قراءته لعلّني أفلح في الإمساك بملامح ولا أخطئ في أخرى.
وقد أمسك أيضا بتفاصيل بعضه و تتساقط غيرها من حدقتيّ و تتناثر على لوحة حاسوبي فتغرقه بسمرتها ، هل هي سمرة حقّا أم هي لون خمريّ يحاكي العسل في لونه أو حبّات القمح الذّهبية أم هي كما نقول بالتّونسيّ ليست سمراء بل هي ” غنجة ” و الغنجة هي البيضاء ، يكون بياضها مشوب بلون ورديّ زاه و حالم و لها شعر فاحم أو ليليّ أو ” كريش الغراب أو الخطيفة” و لها حاجبان كهلالين يحرسان عينين يحاكيان في سوادهما زيتون السّاحل و الشّمال و الشرّق و الغرب و الجنوب.
فلا يخل موطئ قدم من شجرة زيتون شامخة في تونسنا الحبيبة و لا يخل شبر من أرضها من حوريّة ، حرّة ، ” غنجة ” أو سمراء أو شقراء و لكنّها قبل و بعد كلّ شيء تونسيّة ، تونسيّة … وأنا هنا أتحدّث عن زيتونة بعينها بل نخلة شامخة ترنو للصحراء و تعانق قفصة بجبلها و صحرائها و شجرها و حجرها و تحكي عن تفاصيلها الصّغيرة و الدّقيقة دقّة عواطفها و كبرها في روايتها القادمة على قلق و التي أمهرتها ب ” حجرة البورا و تسابيح العودة إلى موطن الزيتون ” ، للكتابات حظوظ مثل أطفالنا تماما ، قد يكون حظ أحدهم في الحبّ و ” الدّلال ” مغايرا لحظ الآخرين و قد يكون أقلّهم ذكاء و جمالا ووو …
وهذا طبعا ليس استنقاصا من قيمة الرواية و لكن هو مجرّد مثال على هذا الحظ الذي أربك تسلسل خطّ الكتابة و قد يكون الأجدر بي أن أبدأ بذكر مراحل دراسة سماح بن داوود و كيف أحدّد جنسها الإبداعي أو ما تحسنه هل أبدأ بالشّعر أم بالرّواية و قد أنحاز لهذه الثانية ، أنانيّة منّي طبعا كروائيّة أو أتحدث عن ولادة ألوانها من أناملها مثل فجر وضّاء فكلّما ولدت رسما أو أتمت لوحة و سأكون أنانيّة في ذلك أيضا فأنا أنحاز لابنتي الرّسّامة كلّما صافحت عينيا الأحمر المشع أو الأسود الفاضح أو الأبيض الشفيف ، لذلك سأنتصر لكلّ هذه الأجناس معا لأنّها فعلا كخرّيجة من معهد الفنون الجميلة فهي تمسك بأطراف كلّ هذه الأجناس الإبداعية معا في كفّ واحدة.
وتمسك بالعمل الثقافي كرئيسة لفرع الرابطة العربيّة للفنون والإبداع بقفصة و تترأس أيضا نادي جسور للثقافة و الفنون ومجلة الليبي الورقيّة فتترأس مكتبها بتونس و مجلّة المغاربي أيضا ، ألم أقل لكم أنها عربيّة ، إنسانية ، كونيّة بامتياز فهي تتنقّل كنسمة خفيفة و لا تعترف لا بجغرافيا و لا بتاريخ و لا حدود وهميّة بل تعمل كنحلة متنقلة بين ربوع الوطن الإنساني الكبير دون جواز و لا تتوقّف عند مكاتب ” الجمارك ” أبدا ، كلمة مرورها في ذلك المحبّة والإيمان بالعمل الثقافي و الاجتماعي الموحّد .
” قلبك لا يعرف الكره يا سمراء ! سامحيني حبيبتي ، قد تظلمنا الأوطان و الأمّهات والأقدار فتضيع أمنياتنا .”
وجدتني أنحاز للشعر بعد هذه الجملة المقتبسة من رواية ” السمراء” والبطلة تحمل هذا الاسم الذي وصفت به المبدعة ذاتها بعد أن ولجت ” عرائس الطين ” :
” ما صنعت يداها غير قلب من تراب
عجنته من ماء و ملح و بعض من العطر
سكبت فيه نفسا فدقّ و نبض ”
أليس المبدع خلاّقا ؟ فهل تغلبّت الشّاعرة على الرّسّامة هنا تحديدا فرسمت بالحرف ما لم ترسمه بالرّيشة ؟ أم تزاوجت الفنانة والشاعرة و تمازجتا فولدتا أو خلقتا أو استنبطتا نصّا و صورا تتناسل من الألوان و الكلمات :
كانت تحلّق
تنقر سطح البحر بجناحين من طين
و كان ينحتها كل يوم بشكل جديد
أليست هي حوّاء الحرف و الصورة و هو آدم الذي انبثقت من طينه فتشكّلت كلّ يوم بشكل جديد ؟ هي إذا أنثى اجتمعت فيها كلّ إناثه و هو ذكر خلاّق ، مبتكر متعبّد في محراب فنّها و هو خبزها و قوتها و حياتها و محور حياتها هي الشاعرة الرّسامة والرسامة الشاعرة تلده من فجر ألوانها :
كان يقصّ من الحجر قوالب بحجم ابتسامتها
….
كانت تعجنه لتعدّ خبزها و خميرها و ما تبقّى من عبيرها
….
قمّة الاتّحاد و الانصهار بين المبدعة و الأخر ، قد يكون رجلها الذي عجنته بروحها ، قد يكون ذكر لم تلده امرأة و لم تتوحّم به إلا هي وحدها و هي وحدها أيضا التي ولدته من حرفها و لونها و أسكنته رسومها و أشعارها و رواياتها الماضية و الآتية و هذا ما ننتظره منها في قادم الأيام .
قد أكون تعسّفت قليلا أو كثيرا على الجانب الأكاديمي للمبدعة سماح بن داوود و لكن الأكيد أن الجانب الإنساني فيها و الإبداعي مازال يستدرجني للكثير ، الكثير و يغريني أن ألج عتباتها و أن أغوص في أعماقها الضاربة في الأصالة كنخيل قفصة و كجبل عرباطة الذي لم أستطع صعوده بعد أن خانتني صحتي و ليس هناك خيانة أكبر من خيانة الجسد لصاحبه بعد أن جمعتنا ” السمراء” و أنا أصرّ على هذا الاسم الصفة الذي أطلقته عليها في لقاء مغاربي راق و نبيل و طالما جمعت هذه المبدعة بين المبدعين في مدينة ” القطار” أو اجتمعت هي بهم بالأردن و الجزائر و إيطاليا و فرنسا و الآتي أجمل حتما و أشمل .
و كانت تحلّق
لتخطف من السّماء ماء
و من التراب نطفة
لتعيد بعثه بروحها روحا تتنفس عشقا.