كتب – عبد الرحمن هاشم:
صدر في القاهرة عن دار أفتار للنشر والتوزيع كتاب “رسائل الياسمين” للدكتورة سحر كرم، وكتبت عنه الدكتورة منى بركات دراسة نقدية أسمتها “سمات الرومـانـسـيـة في (رسائل الياسمين) لسحر كرم”، ومما جاء في الدراسة:
– استجابت الشاعرة (سحر كرم) لما سبق أن طلبناه منها بأن تتخفف من قصائد العشق بعض الشيء؛ فلم يأتِ هذا الكتاب محصوراً في موضوع العشق وحده، ولكنها التفت قليلاً إلى البسطاء والمهمشين؛ فتناولت في نصوصها بعض قضاياهم وآلامهم وأحزانهم أيضاً. وإن كنا نريد للشاعرة (سحر كرم) أن تتوسع في تنويع موضوعاتها بأن تذهب للبسطاء والمهمشين أكثر وأكثر فتعبر عنهم وتمتزج أكثر وأكثر بقضاياهم وآلامهم وأحزانهم وأفراحهم.
-ازدحمت معظم نصوص هذا الكتاب بالوجد والشغف والحب واللوعة والصبابة ضمن فيض وجداني إنساني جارف.
-مَزْجت (سحر كرم) العناصر الحيّة والجامدة في صور شعرية يمكن إدراكها من قبل المتلقي والاستمتاع بها.
-اتسمت النصوص بتوافر معاني العفّة والنبل والحياء والصدق والصراحة في الخطاب.
– استعملت (سحر كرم) ألفاظاً ليست بالغريبة، واستطاعت أن تزج ما لذَّ وطاب من المفردات المستعملة في حديثنا اليومي لتأتي النصوص واضحة مشرقة مبتعدة عن النفور والتشويش.
-امتلكَت الشاعرة من القدرة النفسية ما أتاح لها صنع صور شعرية باذخة الجمال، ونسج العبارات وانتقاء الألفاظ ، كون الرومانسية هي عالم شفاف يحتاج ديناميكية التفاعل والتنقل والتنوع.
– توفرت في النصوص العاطفة الجياشة التي تمد الشاعرة بكل متطلبات صياغة الصورة وسبك عباراتها.
-إبداع الشاعرة ليس إبداعاً نخبوياً؛ موجهاً إلى الصفوة المثقفة؛ إنه إبداع يصل إلى الجميع باختلاف ثقافاتهم؛ وهذه المدرسة أنا شخصياً أحبذها.
-لم تتخلص شاعرتنا من النثرية على الرغم من أننا أشرنا عليها بذلك، بل إنها حسمت أمرها مع الخيار العروضي فلم تخضع له وتخلَّت عنه تماماً.
وأجمل ما في نصوص هذا الكتاب هو اعتقاد الشاعرة بقدسية العاطفة النبيلة حيث صَوَّرَت حبها بـ (الحب القدسي) وهذا أعلى مراتب الوصف؛ كما في الصورة الشعرية التالية من نص (بهجة الروح): “في رحاب حبك القدسي/ تبتهج الروح بصمت/ وكلما لاح طيفك في الأفق”.
لنتأمل أيضاً هذا الوجد الطاهر في المجتزأ التالي من نص (حب واشتياق) :”وللاشتياق تراتيل الكون/ تبحث عنك/ بقوة الشمس ونور القمر/ فتتدفق المشاعر/ كأمواج البحر الهادئ/ وعذوبة النسمات/ مع ضوء القمر المنسل/ في خفايا الروح ينعش الأزهار/ (…)/ أتعلم حبيبي!/ ما الذي أشتاق إليه بغيبتك؟/ أشتاق إلى صورتك”.
وقد انطلقت الشاعرة في كل إرهاصاتها من قلب محطم ملوّع ولهان، والمجتزأ الآتي من نص (أسطورة عشق) خير مثال على نزوع الشاعرة إلى العاطفة والشعور :”فتعانقت الأرواح/ في لحظة عشق تباركه السماء/ نعيش روعة الخيال/ مع هدوء الليل وسكونه/ حين تكون أنت حاضراً فيه/ ويكون الضجيج/ فيه جمال همسك/ وسحر صوتك/ وشذا عطرك/ وروعة ابتسامتك/ وأمان دفئك/ أنت وطني ومدينتي/ واشتياقي ولوعة فؤادي/ وأنا كفراشة الربيع/ انطلقت معك من شرنقتها وحطت على شذا بتلات قلبك/ فالعمر لك/ والقلب لك/ والحب جناح”.
كما وفّرت سحر كرم عناصر (الصوت) و(الحركة) و(اللون) الذين تَجسَّدوا في النص في أكثر من صورة رومانسية؛ حيث تقول: “أرتل تراتيل هواك/ في رحاب حبك/ القدسي الأبدي/ الذي أنت وحدك من رتبت طقوسه/ وابتدعتها وأكملتها/ بحبك الساحر/ فرويت كل حنايا روحي/ برائحة الحنان، وبرقة الأمان/ كفراشة الربيع تتهادى/ بحنايا قلبي في أروقة الحقيقة/ من صهرت قمتي الجليدية/ ولونتها بألوان السعادة/ وغمرتني بوميض الأمل/ المنبثق من روحك/ يهديني لشاطئ الأمان/ لأني معتقدة بك/ من قديم الأزل/ وأنت هدية أقدار السماء/ فأنا بين يديك/ كزهرة ياسمين/ يرتعش جسدي/ لرائحة أنفاسك/ زهرة ندية بلونها الأبيض”.
والدليل على إحساس الشاعرة بالاغتراب والضياع هو استعمالها لمفردات من مثل: (الحنين)، و(منفى)، و(البعيد)، و(عائد)، و(الغائب) في مجتزأ واحد: ”إذا الحنين للقاء طيفك/ يوماً حاصرني/ ولم أجد لأوجاع القلب/ بحلمي المحال، منفى/ حبيبي.. إن حروفي وكلماتي/ وعدتني أن تجعلك تلمسها/ وأمَّنتْها لكل عائد إلى بلادي/ أن يوصلها لأحضانك/ أيها البعيد خلف البحار/ الغائب عن العيون والأنظار/ المستقر في الفؤاد/ وفي الروح والأفكار”.
والرومانسي يرى أنه بفقدان الحب تذبل الأرواح وترتحل، ويصبح ذكراه كالطلل الذي يعكس الصدى لا غير. تقول (سحر كرم): “سأرسو على شاطئ حبك/ ستقلني الرمال/ إلى وادي الغرام/ وسأنشد قصيدة/ وستبقى مع الأيام/ أحبك بكل ما أملك/ ولا أملك ياعمري،/ سوى حبك/ حبك الذي../ هنأني وأرداني../ حبك الذي قتلني وأحياني،/ أحبك بكل المعاني/ في غيابك../ تهتز أغصان قلبي/ ويتساقط الياسمين”.
فبفقدان الحب امتزج عند الشاعرة الدمع والتحسرات والتأوهات والذبول والألم بتساقط الياسمين.