كتبت – إيمان عوني مقلد:
يُعدّ اليوم العالمي للتغطية الصحية الشاملة الموافق 12 كانون الأول/ديسمبر مناسبة سنوية للالتفاف حول الدعوة إلى تحقيق الصحة للجميع وبالجميع . ويوافق هذا اليوم الذكرى السنوية لقرار التغطية الصحية الشاملة التاريخي الذي اتخذته الأمم المتحدة بالإجماع في عام 2012.
لجميع الناس الحق في الحصول على رعاية صحية جيدة دون خوف من ضائقة مالية أو تمييز. ويمكن للقادة، بل يجب عليهم، أن يضمنوا وصول الخدمات الصحية الجيدة إلى جميع الناس حسب حاجتهم إليها، وليس حسب قدرتهم على الدفع.
وقد وقّع وزراء الصحة ورؤساء الوفود من بُلدان إقليم شرق المتوسط توقيعاً جماعياً على الاتفاق العالمي بشأن التغطية الصحية الشاملة 2030، فأصبح إقليم شرق المتوسط أول إقليم يقوم بذلك من بين الأقاليم الستة لمنظمة الصحة العالمية. وبالتوقيع على هذا الاتفاق العالمي، برهن قادة الإقليم على التزامهم باتخاذ الإجراءات وإحراز تقدم نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
كما تجلى ذلك الالتزام في الهيئة الرئاسية العليا لمنظمة الصحة العالمية على المستوى الإقليمي، وهي اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط، التي اعتمدت قراراً في عام 2018 يحثّ الدول الأعضاء على وضع رؤى وطنية وخرائط طريق لإحراز تقدم نحو التغطية الصحية الشاملة. وتأتي التغطية الصحية الشاملة في صميم رؤية المنظمة في الإقليم، رؤية 2023، من خلال دعوتها إلى تحقيق الصحة للجميع وبالجميع .
ويشير مؤشر التغطية بالخدمات من أجل تحقيق التغطية الصحية الشاملة إلى أن الخدمات الصحية الأساسية متاحة في إقليم شرق المتوسط على نطاق أضيق مما هي عليه في أنحاء أخرى كثيرة حول العالم. وقد زاد مؤشر التغطية بالخدمات على مستوى العالم من 45 إلى 66 من أصل 100 بين عامَي 2000 و2017، ولكنه ظل أقل من 60 في إقليم شرق المتوسط. ويدل انخفاض الاستثمار العام في الصحة على أن الأفراد والأسر غالباً ما يضطرون إلى دفع تكاليف الرعاية الصحية من جيوبهم، إذ بلغت نسبة الإنفاق من الأموال الخاصة في الإقليم نحو 40% من جميع النفقات الصحية الحالية بين عامَي 2000 و2015. وزادت الضائقة المالية الناجمة عن الإنفاق المباشر على الصحة في إقليم شرق المتوسط أكثر من أي إقليم آخر من أقاليم المنظمة خلال هذه الفترة. وتكبَّد 8% من سكان الإقليم نفقات صحية باهظة في عام 2000، وزادت هذه النسبة إلى 11.7% بحلول عام 2015.
وقد ألحقت جائحة كوفيد-19 ضرراً بالغاً بالأرواح وسبل العيش في إقليم شرق المتوسط، كما هو الحال في بقية أنحاء العالم. وتسببت الجائحة في توقف الخدمات الأساسية الخاصة بالتمنيع والأمراض المعدية والمزمنة وصحة الأمهات وغيرها، مما عرَّض الملايين للخطر.
وليست الطوارئ هي الوقت المناسب لتأخير الاستثمار في الصحة العامة. بل على العكس يجب أن تحرص البلدان، في إطار تصديها لجائحة كوفيد-19، على زيادة وتحسين الاستثمار في النظم الصحية القوية لحماية الجميع – في أثناء الجائحة وبعدها. والرعاية الصحية الأولية القوية يمكن أن توفر للناس ما يحتاجون إليه من رعاية جيدة، في مجتمعاتهم المحلية.
وأدت أزمة كوفيد-19 إلى تفاقم المخاطر المحدقة بفقدان الناس لثقتهم في قادتهم وفي النظم العامة. ويجب أن تكون الحكومات مسؤولة أمام شعوبها، وأن تحمل على عاتقها مسؤولية بناء نظم صحية واجتماعية تحمي الجميع.
ولتحقيق الصحة للجميع وبالجميع ، لا بد ألا يتخلف أحد عن الركب. ويجب أن يتواصل القادة تواصلاً مجدياً مع جميع المجتمعات المحلية والمجتمع المدني لضمان تمثيل واسع النطاق في عملية اتخاذ القرارات لكي تصل خدمات النظم الصحية إلى الجميع.
وستكون السنة المقبلة هي السنة الدولية للعاملين في مجالي الصحة والرعاية. فهؤلاء القائمون على تقديم الرعاية في الصفوف الأمامية يأخذون بزمام المبادرة لتحقيق الصحة للجميع وبالجميع منذ زمن بعيد قبل حدوث الجائحة الحالية. وأفضل ما يمكن أن يفعله العالم للتعبير عن شكره وامتنانه لهم هو التأكد من حصولهم على ما يحتاجون إليه من تعليم وتدريب وموارد ودعم.
إن تحقيق الصحة للجميع وبالجميع مسؤولية تقع على عاتق الجميع. فيجب أن يعمل المجتمع المدني والحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمعات المحلية والممارسون الصحيون جنباً إلى جنب. فالنُّظُم الصحية القوية تحمي الجميع.