الصامتات عن البوح لمن في الأرض المتحدثات مع الله
بقلم/ مها الوكيل
المجد لهؤلاء النساء اللاتى اختار الله لهن أن يعشن بمفردهن، كل امرأة سافر زوجها، أو تُوفي عنها، أو انفصلت عنه، أو لم تجد شريكاً مناسباً تتقاسم معه الحياة فعاشت وحدها.
المجد لهؤلاء اللاتى تقوم قيامتهن ولا يشعر بهن أحد، هؤلاء العاجزات عن البوح بهمومهن فى مجالس الثرثرة والأحاديث النسائية فمن سيتفهَّم شعورهن إلا من مرَّ به؟
هذا الكم الهائل من التفاصيل التى تعترض طريقهن يومياً وهن وحدهن ولا يملكن القدرة عن وصف ما يشعرن به فى كل موقف.
المجد لهؤلاء اللاتي يتحملن أعباء ومتطلبات الحياة وحدهن ويؤدينها على أكملِ وجهٍ.. يحسبهن الچاهل أغنياء من تعففهن عن وصف ما يشعرن به.
هؤلاء هن اللاتى يُجدن إخفاء الشعور، هؤلاء هن المُحدِّثات الله كثيراً، يخبرنه عن كل يوم مرضن فيه وعالجن أنفسهن ولم يعلم بمرضهن أحد، أو كل يومٍ مرض فيه أحد أبنائهن وطرقن أبواب الأطباء ليلاً وحدهن.
يخبرنه عن كل يومٍ أغلقن فيه باب المنزل ليلاً وهن يتظاهرن بالشجاعة، وعن كل يوم طمأن فيه صغارهن وهن فى أشد الحاجة إلى من يطمئنهن، وعن كل يوم شعرن فيه بتآكل أرواحهن من الداخل.
هؤلاء يفرحن وحدهن، ويحزن وحدهن، ويأكلن وحدهن، ويضحكن وحدهن.
يطرق الحزن بابهن مراتٍ ومراتٍ. يصارعنه كثيراً ويتغلبن عليه كثيراً بجمالِ أرواحهن.
تمر عليهن مناسبات العام كلها وحدهن فيتأقلمن معها راضيات، وتمضى لحظات كثيرة من أعمارهن تحمل مشاعر مختلفة فلا يجدن من يخبرنه فيتفهَّم شعورهن فى هذه اللحظات.
هؤلاء اللواتى ابتُلُين بهذا الكم الهائل من الإدراك رغم حداثة سِنهن، فلا شيء يجعل المرء ينضُج مُبكراً مثل الوحدة.
وأكاد أُجزم أنه فى هذا العالم كله لا يوجد امرأة شعرت بهذا الشعور الذى أحسته تلك التى تُغلِق بابها ليلاً وهى وحدها
فهى المؤنِسة التى فُطِرت على الونس تعيش عكس فطرتها.
يتغير إدراكهن.. تتغير درجة شعورهن عن باقى النساء، هؤلاء اللواتي ابتلاهن الله بالتفكير المفرط فى كل شيء تم استهلاك مشاعرهن إلى أقصى حد.
الله وحده من يرى هذا الكم الهائل من التفاصيل التى أنهكت أرواحهن وهن يمررن بها بمفردهن.
الله وحده من يعلم بهذه الغصة التى تُحيطُ بقلوبهن فى كل مرة اضطررن فيها أن يواجهن أقدارهن وحدهن فلم يبذلن مجهوداً معه لشرحها، لأنه الرب العالم بالأسرار، المحيط بالليالي والأيام.
المجد كل المجد لهؤلاء الصامتات عن البوح بأحوالهن لمن فى الأرض، لكنهن يُحدِّثن الله.. (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله). سورة المجادلة، آية: 1.
إنهن المكتفيات بذكر النِعم.. ويُخبرن الله فقط بما يؤلمهن، وكفى به عليما وكفى به خبيرا.