بقلم: أ.د/ عبدالغنى الغريب
الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف
الإسلام رسالة عالمية لا يمكن أن يفرق بين شعب وشعب، ولا بين جنس وجنس. ومن هنا صهر الأمم في أمة واحدة هو معسكر الإيمان بالله ورسوله… سما الإسلام بنفسه فوق الأجناس والألوان ، خاطب جميع الأمم والشعوب ابتغاء توحيدها في أمة متآخية لا تعرف لإنسان فضلا يباهي به إلا بدرجة استمساكه بعروة الإيمان الوثقى، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى والعمل الصالح… وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الخطوات العملية لتحقيق الوحدة بين المسلمين، ووصلت المؤاخاه إلى حد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد آخي بين أناس من أشرف القبائل العربية وبين الموالي من الفرس والروم فقال: سلمان منا أهل البيت، وصهيب منا أهل البيت.
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ولّي(باذان بن ساسان) وابنه (شهر بن باذان) وكان نسبهما يتصل (ببهرام جور) ملك الفرس، ولّي الرسول صلى الله عليه وسلم (باذان) على اليمن وابنه على صنعاء، وكان عمر يقول عن بلال الحبشي : بلال سيدنا ومولي سيدنا، وأمر عمر صهيب بأن يؤم المسلمين في الصلاة نيابة عنه، بل إن عمر عند وفاته يقول عن احد الموالي وهو: سالم مولى أبي حذيفة: لو كان سالم حيا لوليته. يوم ان تمسك المسلمون بإسلامهم سادوا، وسأل الأعداء انفسهم ما سر قوة المسلمين؟ كيف ينتصر المسلمون وهم قلة في العدد والعدة على من هم أكثر منهم عددا وعتادا؟ كان أول من طرح هذا السؤال (هرقل) قيصر الروم، الذي اذهلته الهزائم المتتالية لجيوشه على يد المسلمين، فجمع قواده وراح يُؤنبهم ويسألهم: من هؤلاء الذين تقاتلون؟ أليسوا بشرا مثلكم؟ فوقف قائد الجيوش الرومانية وقال له انا أخبرك يا سيدي: إنهم بشر وليسوا كالبشر، إنهم رهبان بالليل فرسان بالنهار، إنهم يصلون ويصومون ولا يشربون الخمر ولا يزنون، ولو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده، وما منهم من أحد إلا ويتمنى أن يموت قبل أخيه، فقال هرقل : والله إن كانوا كما تقول ليملكن موضع قدمي هاتين، وكان المسلمون كما قال قائد القوات، فملكوا موضع قدمي هرقل وخرج من بلاد العرب منكسرا.
فهل يستحق الإسلام منا بعد كل هذا أن نصنع به ما صنعنا؟ لقد صنع الإسلام لنا مجدا خالداً، كنا ركاما لا قيمة لنا وإذ بالإسلام يؤلف من هذا الركام كيانا جديدا له قيمته وله وزنه وله تأثيره في السياسة الدولية، وإذا بالقرآن يحيى أمة من العدم ويحفظ لها شرفها ومكانتها ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون) والمراد بالذكر في الآية كما قال ابن عباس: الشرف، فشرفكم ورفعتكم بتمسككم بهذا الدين.
لقد كان به ذكرهم ومجدهم حين حملوا رسالته فشرّقوا بها وغرّبوا، ولم يكن لهم من قبل ذكر، فلما تقدموا للبشرية بكتابهم عَرَفَتهم وذَكَرَتهم ورَفَعتهم، هذا الفضل يستلزم من مسلمي اليوم أن يقدروا رسوله حق قدره، وعليهم أن يعلموا أن عزة الإسلام عزة للعرب، وسيادته سيادة لهم.