كتب: أحمد السيد
حصلت سلطنة عُمان على درجة “صفر إرهاب” في المؤشر العالمي للإرهاب لعام 2020م، الذي صدر خلال شهر نوفمبر الجاري ضمن تقرير معهد “الاقتصاد والسلام” العالمي للأبحاث، والذي شمل 163 دولة حسب درجة التضرر من الإرهاب العالمي.
وجاءت سلطنة عُمان في مقدمة قائمة الدول الأقل تضرراً من الإرهاب في العالم التي تنعم بالأمان من التهديدات الإرهابية، حيث حلَّت السلطنة في المرتبة 138 بالمشاركة مع 26 دولة أخرى في الدول الأقل تعرضا لخطر الإرهاب، من أصل الدول التي شملها التقرير العالمي.
ويأتي حصول عُمان على درجة “صفر إرهاب” للمرة الثامنة على التوالي منذ أول إصدار لتقرير المؤشر في عام 2012م، كدليل واضح على ما تتمتع به السلطنة من أمن وأمان واستقرار.
ولم يأتي حصول سلطنة عمان على درجة “صفر” في سُلم المؤشر العالمي للإرهاب، وهي الدرجة التي تمثل ذروة الأمان من التهديدات الإرهابية، من فراغ أو بمحض الصدفة وإنما جاء ترجمة لجهود عُمانية في مجال بناء السلم الاجتماعي ووضع الأسس الراسخة لفكر وقيم التسامح والتعايش ليس بين المواطنين وحسب، وإنما تطبيق هذا الفكر على مستوى السياسة الخارجية وفي علاقات سلطنة عُمان مع كافة دول العالم.
وذكرت تقارير دولية أن ثمة آليات جنبت سلطنة عمان وقوع أي عمل من أعمال الإرهاب من خلال سياستها التي تعمل على تشجيع التسامح على الصعيدين المحلي والعالمي، وأن العُمانيين “يركزون على بناء أمتهم بعيدًا عن الدمار والنزاعات”، وأرجعت التقارير ذلك إلى وعي المواطنين العُمانيين وجهود الحكومة في مكافحة فكر التطرف.
ركائز داعمة للفكر المستنير
ارتكز الوعي المستنير لدى المواطنين في سلطنة عُمان على أسس راسخة من خلال قدرة النظام السياسي العُماني على وضع ركائز وأسس وبناء مجتمع خال من العنف والإرهاب منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي وحتي الآن وعلى مدار خمسة عقود، وتتمثل هذه الركائز في الآتي:
الركيزة الأولى: إنشاء لجان التوفيق والمصالحة في جميع ولايات السلطنة، فقد أحسن المشرع العماني صنعا حينما اصطلح على التسوية الودية للمنازعات فيما بين الأفراد بمصطلح التوفيق والمصالحة من خلال اللجنة المحدثة خصيصا لهذا الغرض ، حيث إن الجهة المختصة بحسم النزاع تستقبل الأطراف المتنازعة وتلجأ في البداية إلى الإنصات جيدا لخلافها عاملة على التوسط فيما بينها بمحاولة التوفيق والتقريب فيما بين وجهات النظر المعرضة متوخية الوصول بها في الأخير إلى المصالحة المنشودة من طرف الجميع .
يُذكر أن لجان التوفيق والمصالحة لا تمس في شيء لا من قريب ولا من بعيد صلاحيات المحاكم القضائية بشأن تسوية النازعات عن طريق الصلح أيضا ، وبالتالي هي لجنة تنشأ بقرار من وزير العدل بصفته الوزير الوصي على قطاع العدل ، موازاة مع ما يقوم به القضاء أيضا في مجال الصلح.
وبالتالي إن إحداث هذه اللجان وتحديد إجراءات عملها وتشكيلها واختصاصاتها تبقى رهينة قرار الوزير الوصي، فهو الأدرى أكثر من غيره بالحاجة الملحة لهذا النوع من اللجان وبطبيعتها وكيفية سير أعمالها إلى غير ذلك من المتطلبات.
الركيزة الثانية: تكريس ثقافة السلم الاجتماعي وقيم العدل والمساواة والمواطنة في سلطنة عُمان، فالسلام هو الاتفاق، الانسجام، الهدوء، وهو حالة إيجابية في ذاتها (الاستقرار والهدوء مثلا)، ويفتح هذا التعريف المجال أمام التفكير في مستويات مختلفة للتعامل مع مفهوم “السلام”. هناك سلام بين دول، وهناك سلام بين جماعات بشرية، وهناك سلام في داخل الأسرة، وهناك سلام بين المرء وذاته.
وقد عملت القيادة السياسية العُمانية على تحقيق قيم العدل والمساواة وتعميق المواطنة، وكانت أول خطوة للراحل السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، أنه وجه نداء لكل عُماني بالعودة إلى وطنه وعقد الولاء للوطن واختياراته النهضوية، ويواصل السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، استكمال المسيرة مترسماً ذات الخطى في بناء النهضة العُمانية المتجددة.
وجاءت النصوص الدستورية من النظام الأساسي للدولة مؤكدة على مفهوم الوحدة الوطنية. ففي المادة الثانية عشرة من الباب الثاني من النظام الأساسي أن “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العُمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة” و “التعاضد والتراحم صلة وثقى بين المواطنين وتعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدى للفرقة أو الفتنة أو المساس بالوحدة الوطنية”.
الركيزة الثالثة: بناء سياسة خارجية قائمة على مبادئ التسامح والتعايش مع الآخر، إذ تنتهج سلطنة عُمان في سياستها الخارجية إزاء أي من القضايا الصراعية، على وجه العموم، وفي محيطها الإقليمي، بشكل خاص، استراتيجية الحياد وعدم الانحياز إلى أي طرف، والحياد العُماني يستبطن القدرة على إدارة جهود التهدئة بين الأطراف المتصارعة، وإبقاء جميع قنوات الاتصال مفتوحة مع كافة الأطراف التي من شأنها المساهمة في تسوية الأزمات، والتزامها بالاضطلاع بدور الوسيط بين الفرقاء المتصارعين يتطلب أول ما يتطلب اعتماد مبدأ الحياد التام في التعامل مع أي أزمة دولية.
وقد أكد السلطان هيثم بن طارق في أول خطاب له على ثوابت هذه السياسة وهي التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية، كما أكد انتهاجه خُطى السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه.
وجاء في خطابه في هذا الخصوص: “وعلى الصعيد الخارجي فإننا سوف نرتسم خطى السلطان الراحل مُؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التَّعاون الدولي في مختلف المجالات”.
وترتب على ذلك أن صار للسلطنة سمعة طيبة على مستوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية، جعلها ـ بما تمثله من رصيد أخلاقي في تعاملها الخارجي ـ محل قبول لكل أطراف الصراعات. وقد جنت السلطنة ثمار دبلوماسيتها المتزنة ونأت بنفسها عن أي صراعات إقليمية ودولية وباتت ترفل في جو من الأمن والاستقرار الذي لا يقارن في كثير من بلدان المنطقة.