قراءة في قصيدة “امرؤ القيس والكورونا” للشاعر د. جمال مرسي
بقلم الشاعر/ محمد الشحات محمد
* في البدء .. من هو امرؤ القيس؟
* امرؤ القيس بن حجر بن الحارث من فحول شعراء الجاهلية، وكان أبوه ملكا، وخاله شاعرًا، وكان يتنقل في الأحياء، سابقا شعراء العرب في وقته بأشياء ابتدعها، فاستحسنها العرب .. كوقوفه على صحبه في الديار، مع دقة الوصف ورقة وإجادة الا ستعارة والتشبيه، والرمز والتلميح، والالتفات إلى الأحباب والتفنن في الأوصاف، ويعد الوقوف على الأطلال مذهبًا رئيسا لامرئ القيس،
وتصنف معلقته بأنها أجود ما قيل في الشعر القصصي العربي، وقد كتبها في القرن السادس الميلادي، وهي على البحر الطويل ، مع الاختلاف حول عدد أبياتها (77، 81، 92)
أما امرؤ القيس الجديد في قصيدتنا “امرؤ القيس والكورونا” هنا هو د. جمال مرسي –الشاعر المصري، وقصيدتنا –محل القراءة-محددة (23 بيتا)، وكتبها “جمال مرسي” في القرن الواحد والعشرين، وساقت كثيرًا من العبر والعظات، بأسلوب ساخر، وزاخر بالمفاجآت، والمرأة والصبر عاملان مشتركان في القصيدتين، وإن اختلف الموضوع، واختلفنا، أو اتفقنا بين الحب، أو النسيب، والفيروس، وكذلك بين البكاء والتهكم.
إذًا .. ما هو دافع كتابة قصيدة تقدم موضوعا إنسانيا في قالب ساخر، تتبدل فيه القيم؟
– هل الربط بين المعاصرة والأصالة تكون بالمحاكاة لعمل قديم، والتضفير، والتناص، أو حتى المعارضات؟
* وفي قصيدة “امرؤ القيس والكورونا” للشاعر الدكتور جمال مرسي، لماذا قدّم لها شاعرنا بالاعتذار إلى “امرئ القيس ابن حجر” صاحب المعلقة الشهيرة، وهل هناك رابط بين الحالتين؟
– موضوع المعلقة بكاء على الأطلال وغزل، بينما الموضوع هنا يتعلق بالراهن، وكارثة فيروس كورونا وتداعياته، وإذا كان الصبر مطلبا مشتركا في القصيدتين، مع دقة التصوير والرمز والإسقاط، وغيرها، فهل المقارنة بين متعلقات الحدث النفسية هي الفيصل، ولماذا تأخر علم النفس عن مواكبة المُنجز الأدبي، وأين نظرياتنا وفلسفاتنا الحديثة، وما مدى انفتاح قراءات العمل الإبداعي للواقع المعيش؟
* يقدم شاعرنا “جمال مرسي” قصيدته بسؤال: ماذا لو عاد إلينا امرؤ القيس منشدًا: (القصيدة)؟
كأنه هنا يجعل من السؤال إجراءً احترازيا، ومما يكون هذا الاحتراز؟ أيكون من رد فعل البطل المشترك الرئيسي في كل الأحداث،ذلك البطل الذي كثيرًا ما يرجع إليه بدء التوسّع السّردي، وإكمال المشهد الإنساني؟ ومن هذا البطل؟
يقول: (قِفا نَبكِ مِن ذِكرى) جلوسٍ بمَنزِلي بأفعال كورونا الخبيث المغفلِ
* قفا نبكِ : خاطب الواحد خطاب الاثنين، إما للمرونة أو باعتبار التكرار للتوكيد (قف قف)
* هناك المكان سقط اللِّوى بين الدَّخول وحّوْمل، تُوْضح والمِقراه (منقطع الرمل)/وصف دقيق لمكان المنزل، ذاك المنزل الذي خرج منه، ويمتد الوصف إلى حركات امرئ القيس ومحبوباته سواء بالخروج في الليل ، أو خلع الملابس إلا من الخفيف، والمشي عبر التعاريج حتى الخروج من القبيلة، وهكذا شد الهودج بالمرأة فيه، ولو حبلى أو مرضع، وكيف كان يتعامل معها ..
ونجد هنا عند “د. جمال مرسي” احتفالية بالوصف،
أما عن الذكرى عند امرئ القيس القديم، فهي ذكرى”حبيب” غادر، بينما هنا: الذكرى جلوس،
والمكان عند الشاعرين هو المنزل، لكن شتان بين من خرج منه، ومن فيه جلس
* هناك المقصود قفا أعيناني على البكاء عندما أتذكر حبيبا فارقته ومنزلا خرجت منه – مجرد ذكرى من الذكريات (في الماضي)، وهنا: أعيناني على الخبيث/ المغفل (عكس الحبيب) الذي مازال يقهرني بالجلوس في المنزل نفسه، ولم أغادره، و”ذكرى” هنا تحذير، وعظة (الأحداث مازالت قائمة، وعلى أمل الحرية)
الشخصيات هناك: أم الحويرث، عنيزة وفاطمة، أم الرباب جارة عنيز
هنا: أم الحويرث، وأم الرباب جارتها، ليست جارة عنيز، عنيز وفاطم/مؤنث (الاسمان عربيان، وقيل أنهما شخصية واحدة) يقابلهما هنا كورونا “الغربي” وكوفيد ناينتين/مذكر
وكوفِيدُ ناينتينَ قد جاء منذرا بريحٍ هَبوبٍ (مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ)
.* الأحداث هناك لم ينمح أثر المنزل/منزل الحبيب، لأنه إذا غطته ريح بالتراب، كشفت الأخرى هذا التراب، وهذا دور محمود للريح، جنوبيةً كانت، أو شمالية،
هنا: لأن الوضع قائم بالفعل، فلا حاجة لمن يذكِّر من خلال كشف الريح، لما غطته أخرى ..
لذا فإن الدور المطلوب أصبح بـ”كوفيد”، وقد “جاء منذرًا”، وتبقى الريح سواء من الجنوب أو الشمال، ولكن أثرها هنا غير محمود بالمرة ..
هنا: تَرى الناسَ في كل البيوتِ حبيسةً يقولون يا “كوفيدُ”: هيا ألا ارحلِ
*هناك : ترى بَعَرَ الأرْآم في عَرَصَاتها وقيعانها كأنه حَـبٌّ فُلفُل
يعني ترى الظباء خالصة البياض في ساحات الدار، وأراضيها المستوية –بعد أن غادرها أهلها- كأنها حب فلفل/ حب هندي، بينما هنا: الناس حبيسة ، ويطالبون كوفيد أن يرحل
تعبنا من الفيس الذي طول يومنا عليه، ومن واتسٍ وإيمو وجوْجلِ
* تغيرت القيم، وعُرّبت –لموسيقى الشعر- أسماء المواقع الغربية، ولم تُمنع حتى من الصرف، فالواتس مُنَوّنٌ، وجوحل مجرور بالكسرة، ولم يعد اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها، إنما الوقت مطلقا،
وبدلا من الرحيل، أو الخروج والانتقال عند امرئ القيس، فهنا الإقامة
يقول امرؤ القيس:
كأني غَداةَ البين (يقابله الابتعاد الاجتماعي الآن رغم الحبس) يوم تحمَّلوا (ارتحلوا)،
لدى سَمُرات (أشجار، ويقابلها هنا فيس، واتس، جوجل، ..) الحيِّ، يقابله البيت،
والمشترك في الحالين هو ناقفُ حنْظلِ (جاني الحنظل بظفره ليستخرج الحَب)
وفي كل يوم ألف ألفِ خناقةٍ بصوتٍ كنفخِ البُوقِ عالٍ مجلجلِ
.* فالخناقات بداية نقف الحنظل، والصوت هنا: كصوت نفخ البوق (عال مجلجل)
هناك: صوت النسوة في رقة، أو صوت أصحابه، وهم يواسونه ويطلبون منه الصبر، بينما هنا:
وتشخط فِيَّ “ام الحويرثِ” شخطةً يكاد بها يهوي إلى الأرض منزلي
.* لنا أن ندرك مستوى الصوت، والشخطة الواحدة من أم الحويرث تكاد تهد المنزل، وتساويه بالأرض
وأم الحويرث هذه كانت محبوبة لامرئ القيس، انتقل بعدها إلى عشيقته وابنة عمه العنيز، أو فاطمة، وأم الرباب جارتها، وكأن شاعرنا “جمال مرسي” يشير هنا إلى إمكانية الانتقال إلى أخرى (هذا إذا خرج أصلا)،
وأتى بالحيثيات، أو الدوافع التي تدفعه إلى التمرد على أم الحويرث الحالية:
تقول: وقد رشَّت كحولاً على يدي إلى المطبخِ المكلومِ هيا فعجلِّ
.* تغيرت القيم، وبدلا من المسك عند نساء امرئ القيس، ومرورا بالبارفان وغيره (للمحبة والأنس) يحلُّ الكحول (للحذر والاتقاء)، وبدلا من أن تقول، كما قالت بيضة الخدر عند امرئ القيس:
فقالت: يَمِين الله ما لكَ حِيلةٌ وما إن أرى عنكَ الغواية تنجلي
– وبدلا من أن تدعو له، ولو في معرض الدعاء عليه، كما فعلت عنيزة في:
ويوم دخلْت الخدر خدر عنيزة قالت لك الويلات إنك مُرجلي
نجد “أم الحويرث الراهنة” تقول لزوجها (الراهن الرهين) هيا إلى المطبخ المكلوم (المكان والصفة) ، ثم تأمره بأن يسرع (والصوت نفخ بوق، مع الشخطة إياها)، تستكمل بنفس الصوت/ الحيثية
وهيئ لنا المحشي كُرُنباً تلُفُّهُ كما جارَتِي(أُمِّ الرَبابِ بِمَأسَلِ)
.* وهنا حتى الجارة أم الرباب (الجديدة) تختلف عن الجارة (عند امرئ القيس)، فهنا الجارة متسلطة كجارتها، وهناك الجارة معشوقة كجارتها أيضا، فماذا فعلت أم الرباب الجديدة؟
فقد علَّمتْ زوجاً لها حشو كوسةٍ وتقوير باذنجان َ أو قلْيَ فُلفُلِ
.* بدلا من تعلمه العشق ، فقد علَّمته حشو الكوسة ، وتقوير باذنجان وقلي فلفل!
وهنا “أو” ليست للاختيار، إنما المقصود كل هذه الأشياء، وإذا كان الوزن العروضي يفرض “أو” بدلا من “واو”، فالسياق يحتم الجمع.. فالمحشي من الكوسة والباذنجان يستدعي محشي الفلفل،
وطبعا لأن أم الحويرث في الوادي لابد أن تختلف عن أم الرباب في الجبل (مأسَل)، طلبت المحشي كرنبا (يلفه بنفسه)، ولا مانع من أن يكمل كزوج أم الرباب، تستمر أم الحويرث في أوامرها (الثأرية)، لتقول:
ومن بعد أن تنهي ونأكلَ كلنا فقم في هدوءٍ للمواعينِ فاغسلِ
.* دقة الوصف للترتيب ، والتزامه بالهدوء/الطاعة والتنفيذ (وإلا فالشخط ونفخ البوق)، لتزداد نبرة التحذير في “وإياك أن”، ليتصور المتلقي هنا كيفية تعبيرات تقاطيع وجه أم الحويرث ، وحركة سبابتها،
تحذره أن يأتي بلفظٍ يغيظ (يأتي بلفظ، وليس ينطق ، وكأن مجرد القول إذا تفوه ، سيحاسب بجزاء الفعل/الجريمة)، وهنا فالأمر تلزمه العقوبة ، المتمثلة في اللكمات وضربة المعول!
إذًا .. تطور الأمر من الشخط والنفخ، إلى تحذير، ثم العقوبة على جريمة إبداء الرأي، أو التعبير عن رفض،
توضح ذلك أم الحويرث:
وإياك أن تأتي بلفظٍ يغيظني وإلا فلكْماتٌ وضربةُ معولِ
* وحتى تؤكد أن لها حقا فيما تفعل معه، تسأله:.
أليس بكافٍ أنني طول عِشرتي تعاملني مثل البعير المذللِ
فلا قلت لي يوما كلاماً أحبه ولا قلت يا أُمَّ العيالِ تدللي
.* وقبل أن يمسك بداية خيط ثأريتها، فيرد بـ “لا”، أو “بلى” مثلا، ثم يقترب منها لاستعطافها، أو إرضاء دلالها، وحتى لا يفكر في أن يحاول تصحيح الصورة التي تصورتها من قبل حول التذلل، أو أنه لم يكن يقصد أنها بعير، إنما ثقته في حبه لها، فهي تلاحقه بعرض باقي جرائمه:
أنادي برفقٍ يا “امرئ القيس” كن معي إذا اليومَ عدسٌ يا حبيبي فأبصلِ
.* تُذَكِّره حيثُ كانت تحاول هي إرضاءه برفق، وتناديه بـ “امرئ القيس”، لعله يتعلم من محبة صاحب المعلقة الشهيرة، ولو بِلَحظات خاطفة، وتتوسل أن يرضى بالموجود من الطعام (عدس وبصل)، إلا أنه:
فتأمرني باللحم في كل وجبةٍ (وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ)
– كان هو يأمر باللحم في كل وجبة (ما فوق الطاقة المالية ومجهودها)، ليزيد بطلب ما استرسل (هُدّاب) من الدهن الأبيض مع اللحم، وهنا الدهن واللحم للأكل فقط، مجرد ملء بطون وإصدار الأوامر، بينما كان عند امرئ القيس وأم الحويرث لوصف الجسد وتشبيهه بالحرير الناعم للغزل والمشاعر، وفي هذا البيت تحذير وتذكِرة بأنه إذا كان يأمر في الماضي، فهي التي تأمر الآن، وتستكمل:
(ويوم عقرتَ للعذارى مطيتي ) وخليتني في البيت أبكي كعيِّلِ
.* وهنا فتح “يوم” رغم أنها معطوفة على غير منصوب، ولكن يجوز بناء المعرب إذا أضيف إلى مبني، وهنا “يوم” بناه امرئ الفيس القديم على الفتح بإضافته إلى مبني، وهو الفعل الماضي “عقر”، وكذلك جاءت هنا في التناص عند امرئ القيس الجديد، أو الدكتور جمال مرسي،
وبالعودة إلى السرد الشعري، فقد كان القائل قديما شاعر المعلقة نفسه، وهو من عقرَ المطية (أدبر ظهرها)، يقول “عقرتُ” (بتاء الفاعل)، أما عند جمال مرسي، يأتي القول على لسان أم الحويرث، وهي تخاطبه “عقرتَ” بفتح التاء، وليس ضمها، وتكمل سرد ما كان منه قبل الكورونا:
“وخلّيتني في البيت أبكي كعيّلِ”،
وكانت هي تستعطفه، وترجوه التعقل لأن لعبتها/مطيتها هدية بابا لها،
أقول: حرامٌ يا امرأ القيس إنها هدية بابا لي ، رجاءً تعقَّلِ
.* لكنه بدلا من تصحيح المسار، وتهدئة الموقف كما فعل امرى القيس القديم، وقال لها سيري وأرخي زمام البعير، ولا تحرميني من العناق والتقبيل، فإن شاعرنا – كما تسرد، وتعنفه- عمل العكس:
فأهملتني في يومها مثل قشَّةٍ وهددت أهلي بالطلاق المزلزل
* أهملها، كأنها قشة (الوصف دقيق، فلا يعتبر لها قيمة، أو روح ومشاعر)، وراح إلى أصحابه، وتسلى معهم في المقهى، وهدد أسرتها بالطلاق، والطلاق زلزال لها ولأهلها، أما الآن، وقد تغيرت الظروف، وكانت تنتظر وتتلهف “أخيرًا”، كأنها تنفست ..
أخيرا ماذا؟
أخيراً أتى كوفيد كيما يجيرني فلا صحبَ، لا مقهى يقول لك انزلِ
وأجلسك الفيروس في البيت راغما (كجلمود صخرٍ حطه السيلُ من علِ)
.* وهنا يأتي التناص (كجلمود صخر حطه السيل من علِ).. كان يقال هذا في الماضي دليلا على سرعة الحركة، لأن الصخرة الكبرى حين يسقطها السيل من مكان عال، تنزل بسرعة نحو الأرض، وتزداد السرعة بفعل الجازبية الأرضية، كلما زاد وزن الصخرة،
أما هنا، فقد أراد شاعرنا بالتناص حالة ما بعد هذه الحركة السريعة من الصخرة (تقابلها حركة زوجها وخروجه من البيت سواء للعمل أو مع الأصحاب، والمقهى)، وهي حالة الاستقرار في الأرض، والالتصاق بها، مشبها هذا الوضع بِوضع استقرار الزوج الآن في البيت، وكأنه هذه الصخرة! ياله من تشبيه قاسٍ ..
تنادي على الأصحابِ في الواتس باكيا (يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَحمَّلِ)
.* ومن شدة القسوة الموجودة في البيت، يحاول أن يستنجد بالأصحاب عبر الواتس، لكنهم في نفس حاله من الحبس، ليردوا عليه: يقولون لا تهلك أسىً وتحمّل!
كأنهم يواسونه، وبدلا من مواساة أصحاب امرئ القيس له، وهم أحرار، وهو يتذكر أطلال الأحبة، فالآن الأصحاب يواسون وهم سجناء، ومن يواسونه سجين مقهور كاره!
ويبرر أصحابه موقفهم:
فإنا نعيش الآن أخطر محنةٍ أتتنا (بِأَنواعِ الهُمومِ لِتَبتَلي)
* إن الجميع يعيش أخطر محنة ، كمحنة امرئ القيس في معلقته:
وليلٍ كموج البحر أرخى سُدوله
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
وهنا شاعرنا جمال مرسي استبدل “عليَّ” للمفرد بـ “أتَتْنا” للجمع، فالكل سواء في هذه الجائحة ، وبالتالي تغير الفعل من “يبتلي” للمذكر العائد على الليل، إلى “تبتلي” المؤنث العائد على “أخطر محنة” .. تلك المحنة العالمية، لا مفر فيها من طرح التساؤل في ختام القصيدة على لسان الأصحاب، وتواجه به الزوجة زوجها، ليكرره هو، وبالتالي يقره الجميع:
أنصبرٌ أم نفنى بكوفيدَ كلُّنا فلا قبرَ يؤوينا ولا من مُغَسِّلِ
* والسؤال إنكاري لأي تصرف غير الصبر، وإلا فالموت بلا مُغسل أو قبر، وبالتوازي، فإن كورونا، كما هي فرصة للتفكر وإعادة الرجل إلى بيته، بل والتزام الأسرة كلها، فإنها كانت في المقابل درسًا للتباعد الاجتماعي، أو تصفية الحسابات، وتفريغ المخزون، وكما كانت لفظة سلبية في الماضي قبيحة، فقد تبدَّلت إلى أن أصبح الجميع يتمنى أن تكون نتيجته سلبية في تحليل الكورونا، ليكون آمنًا، فهل استدعى الجميع قوله تعالى: “الذين آمنوا ولم يَلبسُوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون”
* نجحت “امرؤ القيس والكورونا” في طرح التساؤلات، والدعوة إلى تحطيم القيم البالية، والخروج إلى الواقع المعيش، مع طرح تساؤلات حول أزمة ليس لها علاج، وإن كانت كأي فيروس، حتى نتمكن من لقاح،
وإن كان الأمر كذلك، فهل للعلاقة بين المرأة والرجل مصل محتمل؟
– إذا اعتبرنا أن مواجهة الزوجة بعد كورونا لتسلط، أو إرهاب زوجها لها قبل تلك الكورونا مواجهة غاشمة، مما جعل الزوج يستنجد بمظلومية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالآخرين، فإنه يمكن إسقاط ذلك على مواجهة الإرهاب عموما مواجهة غاشمة، وادعاء المظلومية لدى الإرهابيين، وإذا اعتبرنا أن الزوجة/المرأة رمز الوطن، فعلى الرجل (المواطن) إدراك معنى حماية هذا الوطن، وهي ثقافة الشعوب في المقام الأول، ومحنتنا في مسؤولي الثقافة الذين يراودوننا عن إبداعاتنا، دون تحمل مسؤولياتهم تجاه الوطن، ومنهم من يوزعون صكوك الوطنية على الناس، تبعًا لأهوائهم، وتتفكك الروابط الأسرية، فيزيد القهر والتنمر.
إن التسلط، أو التنمر، أو الإرهاب ليست من الإنسانية في شيء، وإذا اعتبرنا المرأة رمزا للوطن، ويجب حمايتها، فإننا يمكن أن نعتبرها كذلك رمزا لتحريك كل الأمور، ومنها الإرهاب ذاته، وينبغي قراءة الأحداث والتاريخ، فالماضي يرسم المستقبل،
وقديمًا كان الناس يدونون آدابهم ومعارفهم بأسلوب قصصي طافح بالخيال، كالأسطورة، واحتفلت الأساطير بالمرأة، حتى أنها جعلتها “ربة”، ولها قدراتها في بعض الحضارات، ولكن هل نجحت المرأة في ذلك؟
إيزيس أنجبت حورس بعد موت زوجها أوزوريس، وأما ليللي، أو ليلى، أو عشتار، فقد سيطرت على القادة، واستمرت في طغيانها الغريزي ضد الرجل حتى انتهى أمرها في جلجامش!
وكأني في الختام أرى صوت القصيد، يقول: إذا كان “الأضعف أعنف”، فعلى كل مَنْ استضعف مخلوقًا أن ينتظر ما لا قِبَل له به، وربّ قالبٍ فكاهيٍّ ساخرٍ، أكثر حكمةٍ من جامدٍ زاخر، وكذا مواجهة الإرهاب مسؤولية الثقافة قبل الأمن، أم أن هذا الفيروس اللاعلاج له من مسببات السعادة عند بعضهم؟!