بقلم: د. عادل عبدالله هندى
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف
قد يصدم هذا العنوان الكثير منَّا، لكن لماذا نتعامل مع الأحكام القرآنية أو الصفات الواردة فيه على أنها عن غيرنا ولغيرنا دون ذواتنا؟ إننا بحاجة إلى وقفات عتاب مع النفس والذّات.. ربما يستمع البعض إلى القرآن الكريم أو يقرأ القرآن وهو يقول في نفسه: إن حديث القرآن عن الظالمين أو المنافقين أو المفسدين أو حتى عن المشركين، إنما هو حديث له زمن مضَى أو له أشخاص ليسوا منا.. وربما هذا الاعتقاد يحتاج إلى تحليل ودراسة..
لقد كنت أستمع إلى أحد القُرّاء يقرأ من سورة النساء، فقرأ بعض صفات المنافقين، ككسل عن الفرائض، أو مراءاة الناس بالعبادات، أو التزلّف إلى البعض لمال أو منصب أو سلطة أو شهوة شهرة…
فقلت في نفسي: لعلّ فينا من تلك الصفات أشياء وأشياء، غير أننا نتغاضَى، أو نتخوّف من الحديث إلى النفس بها، أو نرى أنفسنا أعظم شأنًا وأبعد ما نكون، أو نظنّ أن هذا حديث عن زمنٍ مضى وأفراد آخرين، أو نرى ذلك لا يتوافق مع الثقة في الله والرجاء فيه سبحانه وتعالى، أو أنّ ذلك من باب جلد الذّات الذي لا يصحّ أو يُخالِف الهدي الإيجابي في القرآن والسنّة..
ففكّرت قليلا في أمرنا مع الحياة التي نحياها، والجميع يوقن أنه مغادرها وتاركها يومًا ما، غير أنّ البعض -مع هذا اليقين- لا زال يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الناس، ما زال يتقوّل على غيره بالسوء، ما زال يُظهر للناس زهده وكرمه ووعظه ولفظه الطيب، بينما في الخفاء يتحول إلى البذاءة والفُحش من القول، ما زال البعض يقابلك بوجه لونه لون اللبن فإن تحوّل عنك صارت كلماته ووجهه كالليل الأسود البهيم، ما هذا التحوّل؟!! ألا عجبًا لأمثال هؤلاء!! لكن هل نحن منهم؟!
ربما نعظ الناس بمواعظ تبكي منها العيون عن عبادات وفرائض وحقائق دينية، وربما ترقّ القلوب من أثر كلماتنا إن تحدثنا عن قيم وفضائل بصورة وعظية -يقولون عنها- حسنة..
لكن أين نحن؟
يُصرّ البعض على أن يكون نافعًا للمجتمع، باذلا للخير في الغير، غير أنه يتناسَى نفسه في غمرة الحياة وزينتها، إننا بحاجة إلى وقفات عتاب وتأنيب للنفس التي نملكها أو تملكنا..
حديثي ليس نبرات يأس؛ لكنها نبرات ألم، كلِّي أمل في أن تكون نبرات إيجابية تدفعنا للعمل الجادّ والمراقبة الجادّة لله تعالى، والسير على نهج حضرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلّم.. حديثي محاولة لنفسي ولغيري بالتغيير إلى الأفضل في علاقتنا بربنا والناس من حولنا، مهما اختلفنا أو تخالفنا..
إننا بحاجة إلى لحظات صدق بيننا وبين الله تعالى..
بحاجة إلى مصارحة النفس بأعمالنا وخطواتنا وألفاظنا التي ننطق بها..
بحاجة إلى مراقبة ألسنتنا وهي تتكلّم..
بحاجة إلى مراقبة أقلامنا وهي تكتب..
بحاجة إلى مراقبة أعيننا وهي تتجمّل..
بحاجة إلى مراقبة أنفسنا عند نداء الطاعات والعبادات..
بحاجة إلى مراقبة ذواتنا عند التعامل مع أهل الوجاهة والمناصب..
بحاجة إلى مراقبة نوايانا عند تقديم العطاء للناس…
بحاجة إلى مراقبة القلوب عند مدح الناس وثنائهم لنا..
بحاجة إلى مراقبة أنفسنا عند التواصل الاجتماعي بصفة عامة..
بحاجة إلى رصيد خفيّ بيننا وبين الله من بذل صادق للغير، وقيام ليل، وصناعة معروف دون انتظار ثناء أو حتى دون أن نُعرَف!!
نسأل الله الإخلاص والنية الصادقة في القول والعمل…