بقلم: أحمد نورالدين
مدير التحرير بالأهرام
يمثل تراثنا العربى كل ما وصلت إليه أمتنا العربية والاسلامية وشعوبها، مما ورثه الأبناء من أجدادهم القدامى من عقائد وعادات وتقاليد وشكل ملابسهم، وأنواع طعامهم، وفنونهم وآدابهم وقيمهم ومفاهيمهم وحكممهم وأمثالهم، وحتى تشكيل وتصميم قراهم ومدنهم ومنازلهم، وشكل علاقاتهم الاجتماعية فى شتى نواحي الحياة الإنسانية.
والتراث ليس مقصورا على أمة دون أخرى، أو شعوب دون شعوب، بل يمتد الأمر ليشمل جميع أمم الارض وشعوبها وبلدانها المختلفة بعقائدها وجنسياتهم الشتى، لذا لا غرو أن نرى لكل بلد وشعبها ملامحها التراثية التى تميزه عن غيرها، وتصنع له بصمة مختلفة، بل إن شئت قل: هو حاوى التاريخ والثقافة والهوية لها.
ولما كان التراث بأهمية بمكان، عمد المستعمر المحتل فى كل مكان أن يمحو هذا التراث، طامسا معالمه، مغيرا ومحرفا فيه، بدراسة تراثهم وتاريخهم جيدا، ومن ثمة استغلاله في التقرب منهم، والتظاهر بالانصهار فيه كمشاركة الأمة أو الشعب الذي تستعمره في الاحتفال بأعياده وإظهار تمسكها بعاداته حتى يسهل على الشعب أو الأمة المستعمرة إطاعتها وتنفيذ أوامرها بحجة أنها قريبة منهم ومن عاداتهم وتقاليدهم، وهذا ما فعلته الحملة الفرنسية وقائدها بونابرت وبقية قواده عند احتلالها مصر فى العام 1798 ، ليأتى الأجيال اللاحقة فتسير على ما وضعه وأقره له المحتل، فينسون تراث آبائهم وأجدادهم ، ويضيع معه وينطمس تاريخهم الفكرى والثقافى والحضارى والسلوكى وما يحويه من عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وقيمهم ومبادئهم وهويتهم، ولعل هذا ما أحدثه المحتل الغربى فى أوطاننا العربية، فعملوا على تشويه تراثنا، وتزييف ثقافتنا، وسلخنا من حضارتنا العربية والاسلامية، وغرس تراث هم وثقافتهم، وهم ما يعرف بحرب العولمة، ومناهضتها للفكر والعقيدة والهوية واللغة والثقافة والحضارة الاسلامية فى كل مكان من بقاع البسيطة، وأينما وجد مسلمون، لكن هيهات هيهات لما يمكرون ويخططون.
ولما كنا أمة اسلامية بجسد وروح وهوية ولغة واحدة، رغم تعدد أوطاننا العربية والاسلامية، وتنامى وتزايد الحدود بيننا، إلا أنه يبقى تراثنا وتاريخنا الاسلامى وحضارتنا وهويتنا عاملا رئيس ومشترك أساسي فى جمع الشمل، ولم الشعث، ومحاربة الفرقة، والتقريب بيننا، ومن هنا كانت المحاولات الطيبة والمثمنة المشكورة التى تعمل على إبراز هذا المشترك الرئيس فى لم الصف، فكانت المعارض والكرنفالات العربية التى تسهم فى هذا، ولعل معرض المملكة العربية السعودية التى كانت تقيمه فى بلادنا، يلقى رواجا وصدى طيبا لدينا نحن المصريين، وعرفنا الكثير من خلاله على الثقافة والتراث والفكر والعادات والتقاليد والمدن والأطعمة والأشربة السعودية، وغيرها.
ومن المحاولات الطيبة الأخيرة فى هذا الصدد عقد المؤتمر العربي الدولي الأول لإحياء التراث “تراثنا نحييه ونحميه”.. بالقاهرة فى الفترة من الخامس والعشرين من فبراير وحتى الأول من مارس ٢٠٢١، تحت رعاية صاحبة السمو الشيخة انتصار المحمد الصباح
هادفا الى إحياء تراثنا الثقافي والفني العربي، وتشجيع السياحة بين دولنا العربية، وتفعيل المعارض الفنية لتعزيز الإنتماء لأمتنا الواحدة، إنعاشا للعلاقات الإنسانية بين شعوبها، وتعزيزا وبثا لروح التعاون والتعاضد بين أفراد المجتمع العربي من خلال الفعاليات الثقافية والبرامج المتخصصة، إضافة لتمكين المرأة وإبراز دورها في بث الوعي بضرورة الحفاظ على التراث الفكري بالمجتمع وتعميق الإنتماء للوطن، جنبا الى عرض نماذج متميزة في مجال المحافظة على التراث، استطراقا إلى دور المرأة في ضوء جائحة كورونا والدورس المستفادة من الجائحة، وتوظيفها ثقافيا وفكريا واجتماعيا وبيئيا .
ولأهمية المؤتمر يشارك فيها أكاديميون وخبراء ومهتمون في التراث وصناعة الحرف اليدوية مع عرض تجارب ناجحة، وإلقاء الضوء على ما قد يحتاج إليه هذا القطاع من دعم على المستوى الفردي والرسمي، كما سيقام بالمؤتمر معرض فني تراثي تشارك فيه جميع الدول العربية ممثلة بكبار الشخصيات، عاكسة تراثها وحضارتها و تاريخها العريق، مما يتيح الفرصة للحضور والمشاركين التعرف على ثقافات شعوبنا العربية في مكان واحد بحدث كبير يتشوق له الجميع، لمكانة مصر لدى الشعوب العربية كافة، ستكون باكورة أعمال هذا المؤتمر في القاهرة، ثم تستضيف أعماله في كل عام دولة عربية أخرى لتتحول في كافة انحاء العالم العربي ومنه إلى العالمية .
ختاما.. لنحافظ على تراثنا بالعمل المشترك الحثيث من الدول والشعوب وولاة الامر فى كل أسرة، فنعرف نشئنا الصغير به وبما يحويه من عادات، وتقاليد، وأعراف، وقيم، وسلوكيات، منذ سنواته الأولى ونزرعه فيهم، مقرونا بتحذير من الانغماس فى الثقافة والعولمة الغربية، إلا بما يفيده وينفعه، إذ إنها ليست شرا كله.