مزامير داود.. ثنائية الحب والحرب
بقلم/ د. نوران فؤاد
كاتبة وناقدة أدبية مصرية
عضو اتحاد كتاب مصر
دراسة نقدية متأنية لرواية الأديب العراقي الأستاذ /علي لفتة سعيد، الصادرة عن دار الفؤاد للنشر والتوزيع بإشراف الروائية الجادة/ رباب فؤاد وتم دراستها ومناقشتها في مقر دار سالمينا بحضور السادة الأساتذة أعضاء المنصة السيد الأستاذ الدكتور/ خالد عبدالغني، السيد الأستاذ الدكتور/ محمد سمير رجب الدكتورة / نوران فؤاد.
وأدارت الندوة الشاعرة المبدعة/ علياء هيكل، وأثرى الحضور بمداخلتهم النقدية الرائعة أجواء الندوة وعلى رأسهم الشاعرة المبدعة/ عبير العطار، الناقد/ عادل عبد الرازق، الشاعر والناقد هشام العربي.
أنت هنا أمام كاتب يصعب تصنيف إبداعاته ونصوصه الأدبية ما بين شعر وفنون المقال الصحفي /قصص قصيرة/ وروايات /كاتب يشرح مجتمعنا العربي وليس العراق الشقيق فقط بمبضع أديب فذ فينكأ الجرح العربي فينا، ويضمده في آن واحد ما بين ويلات الحروب التي مرت بنا علي تواليها وإنسانيات المجتمعات العربية التي لا يختلف اثنان عليها،
معتنقا قناعة فيلسوفنا كافكا العظيم ..( الكتابة كفاحي من أجل البقاء).. ومتخذا ذلك العنوان البارق الباذخ “مزامير داود” بما فيه من مدلولات عقائدية، وإنسانية هامة ومؤرخة واذكر إذ أذكر ..(مزمور ١٥)… أراقب في صمت راق لأن قلبي يتكلم إليه ….
هذا على مستوى الخلفية الأدبية للروائي علي لفتة سعيد، أما بالنسبة للتصنيف السردي للرواية:
تعد الرواية من الأعمال التي تسير علي منهاجية الأدب الروسي الراقي في تناول ملحمي لأوزار الحرب وتتقاطع مع الأشهر في ذلك المضمار (الحرب والسلام للرائد تولستوي) تجمع كما تجمع هذه النوعية الأدبية ما بين ذاتية المؤلف والموضوعية المجتمعية فتتغلب الذاتية حينا وتنافسها الموضوعية أوقاتا كثيرة.
يتفق ذلك وفنون الملحمة التي تتناسب وموضوعات الحرب فتحس أنك في إعادة إنتاج لجلجامش، الألياذة والأوديسا، بل ورواد الملاحم الشعبية المصرية كالأدهم والناجي وغيرهم.
هذا بالنسبة للتأسيس الأدبي للرواية التي بين أيدينا، أما بالنسبة لشخوص الرواية الأساس والفرعية، فيزدحم العمل الروائي بطاقة خلاقة من الشخوص يحكمون ويحاكمون ويعثرون حينا ويمرون وينجحون أحيانا أخري،
فنجد من الشخوص في الرواية محسن وأظنه الروائي بذاتيته، يوسف، جمعة، محمود، مجتبى، صاحب تلك الصبغة الروحية لغويا المختار والمنتقي حسب امتداد فكرة سيد البهاء والمهدي المنتظر، الغائب الحاضر، إلى شخصيات نسائية مغايرة منها ؛ سلوي التي استشهد زوجها في الحرب مع إيران، وحمدية اللعوب التي تتوازى وأكثر من نمط نسائي في روايات الكبير نجيب محفوظ كنفيسة في بداية ونهاية، ونور في اللص والكلاب، وغيرهن بطريقة مثيرة للدهشة النقدية، وينهضون في زمكانية الرواية فنحن هنا أمام أدب الحرب بحذافيره، لنجد الاعتصامات/ البطالة/ النخاسة، وتجارة كل شيء.
حرب إيران، حرب الكويت، والكثير من القضايا والأسماء السياسية الخلافية، والعقائدي الظاهر في ذكر المراقد الشريفة، والعتبات المقدسة، وروائح البخور الطيبة، والتراتيل الدينية، وذكر الموالد والاحتفالات الدينية الشعبية المرتبطة بها، الإنساني في النسيج الأدبي والذي يتجلى في قيم أدبية فلسفية: الحب والحق والجمال، وقصص الحب واللقاء والفراق،
كما عرضت الرواية في ذلك الإطار إلى نسج الأحداث في إطار دورة الحياة؛ الميلاد النشأة، الزواج، ثنائيات الحياة والموت، الرجل والمرأة، الحب والكره، السياسي والديني،
أما بالنسبة للمنهاجية؛ فالرواية تسير علي درب المنهاجية التاريخية، والاختلاط بالذاكرة التاريخية للأديب واستدعاء لفكرة الإمام الغائب، أو المهدي المنتظر، في شخصي محمود والمجتبي،
أما عن تقنيات السرد؛ قسَّم الروائي روايته إلى أقسام رئيسة وأخرى فرعية، وأسماء فصول بنفس التقسيم، إلى أن نصل إلى ذروة الحدث الروائي في عالم يضج بالعبودية الجديدة،
ألا وهي الشعائرية الطائفية لنجد سقوط تمثال الطاغية واحتفاء الناس بذلك وإطلاقهم لصيحات النصر وبداية لعهد وطني جديد يتطلعون إليه في شمم.
هي نهاية مفتوحة لواقع تاريخي عربي متأزم ، مزج فيها الروائي علي لفتة سعيد بلهجة عراقية محلية منتقاة وبارعة ما بين الفلسفة والتقنية الأدبية للملاحم والأساطير وتعبير روائي ما بعد حداثي يجمع من الإبداع رؤية وشكلا ومضمونا ما يشبه حضارة العراق العريقة وحدائق بابل المعلقة الغناء،
وإلى المزيد من الإبداعات على طريق الأدب وعلى تنوع أجناسه.