كتب: أحمد السيد
لم تغب القيم الحضارية لسلطنة عُمان يوماً ما، منذ العصور القديمة، فقد انتهجت عُمان قيم التعايش والتسامح والسلام والعيش المشترك والتواصل مع الآخر أياً كان هذا الآخر، وتكرست هذه القيم مع انطلاق عصر النهضة العُمانية في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، على يد باني عُمان الحديثة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، والتي تتواصل مع النهضة العُمانية في ثوبها المتجدد تحت القيادة السياسية الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان.
فقد أكد السلطان هيثم بن طارق في أول خطاب له على ثوابت السياسة العُمانية وهي التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية.
وجاء في خطابه في هذا الخصوص: “وعلى الصعيد الخارجي فإننا سوف نرتسم خطى السلطان الراحل مُؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التَّعاون الدولي في مختلف المجالات”.
وتجسيداً وتواصلاً مع تلك القيم العُمانية الثابتة والراسخة، وفي توقيت يتزامن مع الاستعدادات للاحتفالات بالعيد الوطني الخمسين للنهضة الذي يوافق الثامن عشر من نوفمبر الجاري، انعقد في سلطنة عٌمان مؤتمراً صحفياً للاحتفال باليوم العالمي للتسامح 2020 (المؤتلف الإنساني) الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالتعاون مع وزارة الخارجية ووزارة الاعلام ووزارة الصحة.
تبدأ أعمال الاحتفال باليوم العالمي للتسامح 2020 يومي ١٦ و١٧ نوفمبر الحالي استمرارا وترسيخا لجهود السلطنة في تعزيز ثقافة السلام والتآلف وترسيخ مبادئ الأخلاق والوئام والقيم الإنسانية وتم الإعلان عن مشروع “إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني” خلال احتفال أممي نظمته السلطنة بالشراكة مع منظمات دولية بينها الأمم المتحدة.
ويقوم المشروع على ثلاثة مرتكزات: هي العقل والعدل والأخلاق ويقترح من خلاله منهج عمل يُقدَّم للعالم ليعينه على النهوض من جديد واستشراف حياة متوازنة، يعيش فيها الناس على أساس من الكرامة والحقوق الأساسية والأمان النفسي.
وتتمثل دوافعه الأساسية في الاضطراب الحاصل في العالم بدءا بمشكلات الفقر وحقوق الإنسان وضحايا الصراعات والحروب والتداعي الاقتصادي عبر التدافع الشرس بين الرأسمالية والشمولية والديمقراطية، إضافة إلى اضطراب المفاهيم القيمية والأخلاقية بفعل الانفتاح التكنولوجي الأمر الذي دفع إلى التفكير بعمق في مآلات العلاقات الإنسانية بشكل عام وشكل تلك العلاقات وماهيتها في المستقبل القريب أو البعيد.
ويضع مشروع الإعلان ثلاثة أبعاد ضرورية لإعادة التوازن للعالم الذي نعيشه اليوم يتمثل البعد الأول في تحسين حياة البشر عبر تحقيق المستوى الأساسي من الكرامة والحقوق والحفاظ على اللحمة الإنسانية من الفناء والاندثار، أما البعد الثاني فيقوم على أساس اعتماد منظومة أخلاقية عالمية تدفع بالناس قدما إلى توحيد التزاماتهم وجهودهم نحو حماية الإنسان والأرض وتحقيق السلام والتعايش والتفاهم.
ويركز مشروع الإعلان على ثلاثة موجهات أساسية متعلقة بالسلوك البشري الفردي تتمثل في تعزيز ثقافة السلام والتفاهم واحترام الحياة وتقديرها، وطمأنة الناس بالحفاظ على هوياتهم وحياتهم الخاصة وتعميق قيم الشراكة المجتمعية والقيم الاجتماعية.
أما موجهات المشروع فإنها تبتعد عن التصنيفات والاختلافات الطبيعية بين البشر كالدين واللغة والثقافة والهوية، ويركز على فطرة الإنسان السوية دون النظر إلى أي اعتبار آخر، لتكون بؤرة التركيز على المؤتلف الإنساني والمشتركات الإنسانية والقيم المشتركة.