بقلم : د. عادل المراغى
من علماء الأزهر الشريف
أول كلمة نزلت من السماء على خاتم الأنبياء-صلى الله عليه وسلم- كلمة (إقرأ) ورغم أن عدد كلمات القرآن الكريم بلغت (77439)كلمة إلا أن الله تعالي اختار هذه الكلمة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين بها في أول خمس آيات نزلت من وحي السماء،(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ ﴾[العلق 1]…(اقرأ وربك الأكرم) [العلق: 5].. وثاني سورة نزلت من. القرآن الكريم سورة القلم قال تعالى: (ن والقلم ومايسطرون) والقلم أداة الكتابة والمعرفة وهذه الآيات إن دلَّت على شيء فإنما تدلُّ على أهمية القراءة والكتابة باعتبارهما أدوات بناء الأمم وتقدُّم الشعوب ورقي المجتمعات فأمة لاتقرأ لامكان لها في الوجود.
ويُحكى أن أول مكتبة وضعها الفراعنة كتبوا على بابها: “هنا غذاء النفوس وطب العقول”، فالقراءة وسيلة التقدُّم والرقيِّ والمعرفة والازدهار، ولا يمكن أن يتصوَّر تقدُّم أمة ما دون أن تكون قارئةً ومطلعةً على ما يدور حولها، ومما لا ريب فيه أن الإنسان القارئ والمطّلع والذي يكون على دراية بما يدور حوله، وقادرًا على مواكبة التطورات المعرفية والعلمية التي تُستحدث كل يوم – لا ريب أنه يستشرف مستقبل الأمم. فالقراءة الواعية هي رمانة الميزان، واذا أردت أن تحكم علي مستقبل أي أمة فانظر إلي إهتمام شبابها بالقراءة، وكم رأينا شباب الغرب لا تفارقهم الرواية ولا الكتاب في محطات القطارات وفي المطارت بل حتي في الحافلات والمترو وعلي الأرصفة.
ومما يصيب الانسان المسلم بالحزن أن أمة إقرأ لا تقرأ، وأمة القلم أبعد ما تكون عن القلم، ففي أحدث تقرير عن منظمة اليونسكو لوحظ أن الشباب العربي لا تتعدي قراءتهم 35ساعة في السنة أي مايعادل قراءة6كتب سنويا بينما يلتهم الشاب الأوربيّ 35كتابا في السنة، ومن حرص الدول المتقدمة علي القراءة في تعديل سلوك المجرمين ما قررته دولة البرازيل من إسقاط 4أيام حبس عن كل سجين مقابل قراءته لكتاب، ولعلني في هذه اللمحة الخاطفة أسالك كم ساعة تقرأ كل يوم؟ فلا تقل لي من أنت ولكن قل لي كم ساعة قرأت؟!
لقد كان الروائي الكبير أنيس منصور يقرأ في اليوم 16ساعة وقدبلغت عدد رواياته ومؤلفاته 103مؤلف ورواية واعرف من شباب جيلنا من يقرأ مثل أنيس منصور ويناطح ابن الجوزي في همته التي عانقت السماء وناطحت الجوزاء فقد قال ابن الجوزي رحمه الله علي منبره كما يروي عن أبي المظفر قال: سمعت جدي إبن الجوزي من على المنبر يقول: بأصبعي هاتين كتبت ألفي مجلدة وتاب على يدي مائة ألف وأسلم على يدي عشرون ألفا وكان يحضر مجلسه مائة ألف إنسان وقد وصل ما قام بكتابته الى ما يقرب من ثلاثمائة مصنف وكتاب ومنهم من ينافس الجاحظ في قراءته فقد قال الجاحظ عن نفسه:(ما وقع في يدى كتاب إلا قراته من أوله الي آخره)
وهذه النماذج التي ذكرتها قديما وحديثا نحتاج إلي ترسم خطاها والاقتداء بها ومن وجهة نظري أن الداعية والخطيب والعالم والمثقف والشاعر والأديب إن لم يقرأ أربع ساعات علي أقل تقدير فلن يقدم جديدا للناس ولن يستشرف مستقبلا فالقراءة غذاء الروح وقوت القلب، كما أن الطعام غذاء البدن، واذا تعطل العقل عن القراءة أصابه الصدأ وعشعشت فيه الغربان.