ْ
بقلم: أ.د / محمد رمضان أبوبكر
أستاذ بكلية الدعوة الإسلامية – جامعة الأزهر
مرات عديدة تطاول أعداء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها على الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وتثور ثائرة المسلمين في كل مكان وتنفعل عواطفهم وتخرج هذه الانفعالات في صور خطب رنانة ومظاهرات حاشدة وفعاليات غاضبة وبيانات مستنكرة. … إلخ.
وهذا لا شك من الأشياء المحمودة التي تدل على أن حرارة الإيمان متقدة في نفوس المسلمين وإن علاها رماد كثيف من السلوكيات والمفاهيم الخاطئة .
لكن مع تكرار الأحداث وتكرار ردة الفعل من المسلمين بدأ أن أعداء الإسلام حفظوا ردة أفعال المسلمين تجاه إساءتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، لذا لم يبالوا بتكرار الإساءة، – وغالباً أنهم لن يبالوا بهذا في المستقبل القريب – لأن المسلمين يثورون كالعاصفة ثم لا تلبث العاصفة أن تهدأ بل تخمد تماماً.
لذا يجب أن يتدخل العقل المسلم في هذه المرة ليبحث عن كيفية استثمار هذه الإساءات وتحويلها إلى طاقة إيجابية في توعية الآخرين بمكانة النبي الأمين – صلى الله عليه وسلم- ونشر الإسلام والتعريف به في جميع ربوع العالم.
إن استغلال الأحداث والمواقف المحزنة المؤلمة في الدفع للإمام ونشر الخير منهج قرآني رباني يربي الله – عز وجل – الأمة المسلمة عليه – { لا تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم } { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } في صلح الحديبية.
ولنعلم أن داخل كل ظلمة طاقة نور يراها أهل البصائر، ويعرفون كيف يستخرجون منها شعاعا يزيح الظلام رويداً رويداً، وما إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وأهله عند حادثة 11 سبتمبر 2001م عنا ببعيد حيث ازداد البحث عن الإسلام على شبكة المعلومات، ونفدت نسخ المصاحف المترجمة في أمريكا، وازداد الدخول في الإسلام أضعافاً مضاعفة.
فلماذا لا نستثمر هذه الإساءات المؤلمة في تعريف غير المسلمين – خاصة العوام منهم- بالإسلام ونبيه – صلى الله عليه وسلم- إذ إن الكثير منهم يستقي معارفة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- من خلال رجال دينهم ومما كتبه المستشرقون الحاقدون عنه، وما يروج له الصهاينة والصليبيون عن جنابه الشريف .
لماذا لا نأخذ زمام المبادرة، والمبادأة في حملة كبيرة تستوعب جميع أصناف المجتمع المسلم للتوعية بمكانة الحبيب صلى الله عليه وسلم عظمته الإنسانية التي لم تر، ولن تر البشرية مثلها سواء أكان هناك اعتداء على حرمة النبي r، أم لم يكن، وهذه الحملة هي خير وسيلة يدافع بها محبو النبي – صلى الله عليه وسلم-عن جنابه الشريف، وهي التي ستغير من نظرة الكثيرين من الآخرين إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-. بل سيزداد الإقبال بها على الإسلام ويتضاعف – بمشيئة الله تعالى-.
إنني أعجب أن اليهود يستمرون في ابتزاز العالم كله بإساءة مكذوبة مفتعلة (محرقة الهولوكست)، ولا يكفون عن تكرارها عبر عشرات السنيين، ويصدرونها للعالم كله على أنها حقيقة، ويقفون بكل حزم في وجه من ينكرها ويتصدون له بكل الوسائل.
ولا يستمر بني ديني من علماء المسلمين وحكامهم وشعوبهم في نشر الحق الذين بين أيديهم، ويدفعون عنه، ويروجون له بخطط مدروسة طويلة الأجل سواء أكان هناك إساءة واعتداء على مقدساتهم أم لا.
مع عظم الفارق بين الاثنين ولكن الشيء بالشيء يذكر.
أنني أراها فرصة عظيمة أن تجتمع الأمة -علماء وحكاما ومحكومين – حول هدف واحد وهو تصحيح صورة الإسلام ونبيه عند من يجهلها أو من شوِّهت له عن عمد لكى يراها على واقعها الحقيقي.
لينشر العلماء الحق ويفندوا الأباطيل، ويصوغ الأدباء القصائد ويبدع الكاتبون في المقالات والكتب، ويترجم المترجمون هذا كله، ويبذل الأغنياء الأموال في سبيل نشر ذلك، ويقوم أهل الإعلام بدورهم، ويؤدي الحكام واجبهم لكي يرى أعداء الإسلام أن ردة الفعل على تطاولهم على المقام المحمدي والجناب النبوي – عليه الصلاة والسلام- جاءت عليهم هذه المرة بالوبال والخسران في أتباعهم وشعوبهم. عندها لن يعودوا لمثلها أبداً والله أعلم..