قيمة الانتماء للوطن لها مكانتها في ديننا وفي حضاراتنا وثقافتنا، والقيمة تعني أنها شيء له قيمة..
وفي هذا المقال أركز على دور قطاع الأئمة والدعاة في هذا المجال باعتباره من أهم القطاعات التي يمكن أن تسهم بسهم وافر في عملية تعزيز قيمة انتماء الشباب والمواطنين لوطنهم، ذلك لما يمثله هذا القطاع المهم من تأثير أدبي ونفسي ووجداني كبير في نفوس الجماهير.
وقيمة الانتماء للوطن -كغيرها من القيم البانية للمجتمعات- حينما تستمد قداستها من العمق الديني، فإن حرية ممارستها على أرض الواقع تنبعث من أقوى المشاعر تأثيرًا في حياة الإنسان.
ولا شك أن المجتمع الذي تسوده القيم عمومًا وقيمة الانتماء خصوصًا تزدهر طاقاته، وتسوده العلاقات الإنسانية؛ وتتكامل فيه الثقافات وتتعايش بغير عداوات أو صراعات.
وعندما يركز الدعاة على قضية تعزيز المواطنة ببرامج دقيقة -تناسب عقلية النشء والشباب في هذا العصر الذي يتسم بسرعة الوتيرة والإيقاع-، وأن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان، وأن حُبَّ الوطن والحفاظ على مقدراته مطلب إيماني ويأتى على رأس سلم الفضائل فى زماننا هذا، وأن من يعمل على رفعة وطنه فهو من الفائزين فى الدنيا والآخرة؛ فإن هذه الجهود لا شك ستؤتي ثمارها على المديين القصير والبعيد، شريطة تحقق عدة أمور في غاية الأهمية:
(١) ضرورة تضافر جهود شتى مؤسسات الدولة (الدينية والثقافية والإعلامية والتربوية) من أجل تحقيق هذا الهدف السامي.
(١) خلق بيئة حاضنة للانتماء ونشر ثقافة المواطنة والمسئولية الاجتماعية في شتى أرجاء المجتمع، وتحويلها من مجرد أفكار ونظريات إلى سلوكيات عامة، ومنهج حياة..
(٣) ضرورة شعور المواطن بكرامته وحريته وأنّ له كلمة مسموعة من أي مستوى كان في المجتمع، وهذا ما تقوم به الدولة المصرية.
وفي هذا الإطار أقترح ما يلي:
أولا: عمل خطة قومية لإحياء منظومة القيم في المجتمع، على أن يشترك في إعدادها وتنفيذها وتقييمها وتقويمها كل مؤسسات الدولة المعنية (التربوية والإعلامية والثقافية والدينية)، باعتبار أن منظومة القيم هي الأساس والقاعدة العامة التي يلزم أن تكون موجودة وفاعلة ومؤثرة لكي ينهض المجتمع ويتقدم ويزدهر؛ ومن ثَمَّ يشعر الشخص بمردود خطط الدولة وجهودها على مستوى رفاهيته وجودة حياته، والتي تعد من المحكات الأساسية في عملية تعزيز عملية الانتماء..
خصوصًا وأن للقيَم فوائد جمّة، ومن بينها أنها تشكّل شخصيةَ المواطن المتّزنة، وتقوّي إرادته، وتحفظ أمنَه، وتقِيه من الشرورِ، كما أنَّ تأثيرَها أعظم من تأثيرِ القوانين والعقوباتِ، وبالتالي تكون أكثر قدرة على منع الأخطاءِ مِن العقوبة نفسها، كما أن أصحابُ القيَم يؤدّون أعمَالهم بفعاليّة وإتقان؛ وبما ينعكس إيجابيا على المجتمع.
ثانيا: الخروج عن النمطية التي باتت غير مؤثرة في أداء بعض الدعاة والإعلاميين، فيما يتعلق بمحاولتهم غرس قيمة الانتماء للنشء والشباب والتي عانينا منها عقودًا سابقة؛ ذلك لأن عقلية النشء وطرق تفكيرهم أصبحت لا تقبل الأفكار النمطية، الأمر الذي يستلزم من السادة الدعاة معالجات إبداعية تناسب النشء والشباب وشتى فئات المجتمع، وتؤثر فيهم..
ومن هنا يأتي حتمية الاستثمار في عالم الدعاة من أجل تكوينهم في جامعة الازهر، وتدريبهم على رأس العمل بصورة عصرية تمكنهم من النفاذ والوصول ببرامجهم الدعوية الحديثة إلى عقول الشباب وقلوبهم ووجدانهم.. وذلك بالطبع يستدعي كفالة الدولة حياة كريمة للدعاة عمومًا وميزات نوعية للمتميزين منهم؛ لإلهاب حماس الآخرين نحو التميز والإبداع… وقد خطت الأوقاف خطوات متميزة في هذا المجال في الفترة الماضية.
ثالثا: لا بد من تفعيل دور الهيئة الوطنية للإعلام، وتعاونها مع المؤسسة الدينية (الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء) في غربلة المواد الإعلامية من القيم الغريبة على مجتمعنا، والتي تُسلب شبابنا القيم الوطنية الأصيلة ومن بينها قيمة الانتماء، وبذل جوائز سخية للأعمال الإعلامية والدرامية التي تثبت بالدراسات العلمية أنها قد أسهمت في تعزيز قيمة الانتماء على المستوى الوطني..
رابعا: تفعيل دور المسجد في المحيط الجغرافي والتركيز على دوره في المشاركة المجتمعية، ولا شك أن التوسع في تجربة المدارس القرآنية والمدارس العلمية في شتى مساجد الجمهورية، ومن خلال ولاية الدولة على المساجد سيضمن فعالية الخطط وسلامة تنفيذها بشكل كبير، ومن الأهمية تركيز الخطاب الديني على قيم البناء والتقدم والإبداع والابتكار والاتقان والإحسان في المجتمع.
خامسا: ضرورة نهوض الدولة بالمؤسسات التعليمية، وسَن القوانين التي تُعيد الطلاب إلى الذهاب للمدارس؛ كأن يُسن قانون جديد ينص على أن حضور الطالب في مدرسته يمثل ٤٠% مثلا من
درجة الامتحان.
مع ضرورة خلق بيئات تعليمية حاضنة وجاذبة ومحفزة ومريحة لأبنائنا، ومعلم جاذب ومنهج جاذب للطلاب.