بدائل الكتاب الجامعي
في ضوء مقاصد التعليم الجامعي وتداعيات أزمة كورونا
ورقة عمل مقدمة
للمؤتمر الدولي الافتراضي
(التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي العالي بعد أزمة كورونا)
ينظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ورابطة الجامعات الإسلامية 11 يوليو 2020م
إعداد
الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المكتب الفني بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد – رئاسة مجلس الوزراء
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
ومنسق عام المؤتمر
يوليو 2020م
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه ومَن تبع هداه إلى يوم لقاء الله… وبعد
ففي البداية أشكر رابطة الجامعات الإسلامية والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، على عقد هذا المؤتمر المهم (التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي العالي بعد أزمة كورونا)؛ لتبادل الرؤى والطروحات، والخروج برؤية علمية إجرائية وتوصيات يمكن أن تسهم في التعاطي مع تداعيات جائحة كورونا والتي أثرت على شتى مناحي الحياة، وعلى رأسها قطاع التعليم..
إن التعليم الإسلامي العالي في حاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أولوياته؛ ليسهم في توظيف كنوز التراث الإسلامي، وما تزخر به مؤسساته حول العالم من معامل ومراكز بحوث وكوادر بشرية، قادرة -بتوحيد جهودها وتكاملها- على التنبوء بالتحديات والأزمات والجوائح والتصدي لها، ومن ذلك (ربط مراكز البحوث والمختبرات والمعامل العلمية في جامعات العالم الإسلامي تحت كيان موحد)، وتسخير كل الإمكانات للباحثين كافة في جامعاتنا، ومساعدتهم حتى يكون لهم قصب السبق في اكتشاف الأمصال والعلاجات للأوبئة والجوائج وما يستجد من مشكلات وأزمات.
وفي هذه الورقة أقدم تصورا لبدائل الكتب والمذكرات الجامعية في ضوء أهداف التعليم الجامعي وتداعيات أزمة كورونا..
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال عن:
الكتب والمذكرات الجامعية
هل هي أدوات لبناء الطلاب وتفجير طاقاتهم أم أنها تسير عكس الاتجاه المطلوب؟
الناظر المدقق في كثير من الكتب والمذكرات الجامعية والملخصات التي يُعدها أعضاء هيئة التدريس للطلاب، يجدها أحد الأسباب التي أسهمت في إضعاف مستوى الخريجين، وإضعاف العملية التعليمية في الجامعات، وربما يرجع ذلك إلى:
أولا: إذا كان من أهداف المرحلة الجامعية تفجير طاقات الطلاب، وتمريسهم على البحث والتقصي والحصول على المعلومات، من خلال الرجوع إلى المصادر الأصيلة وغيرها من مصادر المعلومات الحديثة؛ بحيث يتكوّن لدى الطلاب القدرة على المعرفة ومتابعتها واستنباتها وإنتاجها، وتكوين تفكيرهم الناقد والقادر على الرصد والتحليل والاستقصاء والتركيب والاستشراف والإبداع وتنميته؛ فإن الكتاب الجامعي أسهم بصورة لا يُستهان بها دون تحقيق هذا الهدف.
ثانيا: إن عدم التزام عضو هيئة التدريس بالأخذ بنظام قائمة المراجع المتعددة والكتب والمصادر العلمية المختلفة من خلال إعداد “قائمة القراءات المتعددة المفتوحة” لكل مقرر، والتقيد بما يسمى الكتاب الجامعي والمذكرة الجامعية والملخصات التي تُباع في مكاتب تصوير المستندات، قد أسهم في إيجاد خريج يعتمد على الحفظ والاستظهار، في ظل عالم مفتوح أصبح الحصول فيه على المعارف والمعلومات من السهولة بمكان…!!.
وكان الأولى الاعتماد على القراءات المفتوحة للطلاب، والتي تسهم في إيجاد خريج باحث ومفكر، وقادر على الفهم والتحليل والتركيب والاستقصاء والاستشراف والإبداع -كما سبق-، في ظل عصر الإتاحة والحرية الأكاديمية التي تمكنه من الانفتاح ومواصلة التعليم والتعلم، بعيدًا عن الحدود الضيقة للمذكرة الجامعية والتي تحصر نطاق معارف الطالب في حدود معينة لا يتخطاها، وسرعان ما يفقد جُلَّ مما درَسه عقب أدائه الامتحان.
ثالثا: تحول المنهج في بعض الجامعات إلى مجرد “مذكرات” يروجها “مؤلفوها”؛ بهدف الربح السريع، مما جعل الكتاب الجامعي أحيانا “أداة للاسترزاق“، ووسيلة لحل المشكلات المادية لبعض أعضاء هيئة التدريس، بدلا من أن يكون مصدرًا للحصول على المعرفة والمعلومات الجادة والجوهرية.
رابعا: لم يعد الكتاب الجامعي نافذة يطل من خلالها الطالبُ على آفاق رحبة للعلم والمعرفة؛ بل تسبب الكتاب الجامعي والمذكرات الجامعية في تقديم معارف هشة في كثير منها، فضلا عن إسهامها في تنميط عقول الطلاب وجعلها “إسطنبات” مكرورة، وإضاعة الفرصة على الطلاب للتجوال في صنوف المعرفة، على تنوعها واتجاهاتها ومدراسها ومستجداتها، عبر القراءات المتعددة في موضوعات المقرر الجامعي، وبما يتفق مع مواهب الطلاب واهتماماتهم وفروقهم الفردية؛ حتى أمسى الكتاب الجامعي تحديًا خطيرًا يُضاف إلى التحديات التي تواجه التعليم الجامعي.
خامسا: إضافة إلى ما سبق وفي ظل الجائحة العالمية التي يشهدها العالم بسبب أزمة كورونا، وتعطل حركة الحياة بما فيها الجامعات، وضرورة إعادة صياغة أهداف الجامعات وترتيب أولويتها؛ للتنبؤ بالأزمات، والاستعداد للتعاطي معها، وتجهيز البدائل المناسبة وبسرعة، والمنصات التعليمية والتربوية الجامعية الإلكترونية بشتى مكوناتها وأركانها، وجاهزياتها، وضرورة إيجاد بدائل للكتاب الجامعي بحيث يعالج المشكلات التي أحدثها من قبل، ويراعي الأزمات التي تعرض لها الطلاب خلال الجائحة، وأيضا يسهم في تكوين عقل الطالب وبنائه وتنمية التفكير الناقد لديه.
مقترحات لعلاج هذا الخلل:
-
أن يقرر الكتاب الجامعي في أضيق الحدود، وفي مواد معينة وقليلة، وذلك كأن يكون مثلا في المقررات العامة التي تقررها الجامعة على جميع الطلبة، على أن يقوم بإعداده نخبة من كبار المتخصصين في المادة العلمية، ونخبة من خبراء التربية وعلم النفس، وأيضا خبراء في اللغة، بحيث يكون الكتاب مصدرًا أصيلاً للمعرفة التخصصية، ومراعيًا للفروق الفردية بين الطلاب، ويكون من آليات اكتساب اللغة السليمة لدى الطلبة.
-
أن يُراعَى في الكتب التي يقررها عضو هيئة التدريس بالجامعة أن تكون كتبا إرشادية، تفتح المجال أمام الطلاب والباحثين لتوسيع دائرة البحث والتقصي والاستكشاف.
-
الاعتماد في المقررات الدراسية على:
-
قائمة القراءات المتعددة والمفتوحة في موضوع المادة الدرسية، والتي يعدها أساتذة المادة مجتمعين بعناية.
-
التطبيقيات العملية لمحتوى المقرر الجامعي.
-
عمل الأبحاث وأوراق العمل في موضوعات المقررات الجامعية.
-
-
اعتماد استراتيجيات حديثة في طرق التدريس، وتناول موضوعات المقرر بحيث يعول أكثر على عقد مناقشات عامة للطلاب يعرض فيها كل طالب رؤيته وما توصل إليه من معلومات جديدة، ومن ثمَّ تعم الفائدة بين جموع الطلاب، وأيضا نضمن تدريب الطلاب على الإلقاء، والنقاش، وإلقاء المحاضرات، والعصف الذهني وتبادل الأدوار.
-
إقرار نحو 20 % من المادة الدراسية (قراءات مفتوحة بلغة أجنبية)، شريطة أن تكون قراءات حديثة لم يمر على نشرها أكثر من ثلاثة أعوام مثلا، بحيث يحرص الطلاب على تطوير لغتهم الأجنبية، ومن ثم يتابعون آخر ما وصل إليه العلم الحديث في تلك الموضوعات.
-
دعم حركة التخصصات البينية بين العلوم المختلفة، بحيث نضمن تكامل المعرفة واشتراكها وتشابكها في أكثر من تخصص، استجابة للتوجهات التربوية العالمية الحديثة التي تستهدف تقليل الهوة بين التخصصات، ودعم الابتكار والابداع وتكامل المعرفة.
-
التركيز على استراتيجيات التعلم الحديثة التي تعزز من فكرة التعددية والمواطنة، وتسهم في القضاء على النعزالية والأنانية، وترسخ فكرة التعلم المستمر، ومن بينها: التعلم التعاوني، ولعب الأدوار، والتعلم النشط، والتعلم الذاتي… إلخ، وتحديد قوائم القراءات المفتوحة والمتعددة من قبل الأقسام العلمية لكل مقرر، وكذلك المهارات والجدارات اللازمة، وطرق اكتسابها.