التربية السليمة السوية الناجحة للأبناء
بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
بناء الإنسان عملية شاقة ومركبة ومتداخلة وتكتنفها صعوبات وتحديات وهي أصعب بكثير من بناء بناية شاهقة.. رسالتي إليك أيها الأب الفاضل وأيتها الأم الغالية: كن كريما مكرما وكوني كريمة مكرمة.. كن عزيزا أبيا شامخا.. متواضعا في عزة.. وإياك والكبر والخشونة في القول أو الفعل..
كن بسَّاما بشوش الوجه قدوة حسنة لتلاميذك.. كن مهندما نظيفا جميلا..كن على علم بآمال الأولاد وآلامهم.. كن متطورا ومواكبا للزمن.. لا تتحدث فيما لا تجيده حتى تجيده.
أيها الوالد: إذا نصحت أولادك فلا تفصح ولا تفضح… وإن عاتبت فلا تجرح وعامل الأولاد على قدر عقولهم …لا بأعمالهم! كن مهابا بحكمتك وعلمك، وصوتك الحاني، وسلوكك القويم..
اعلم أن الله تعالى يراك وأن الصغيرة منك كبيرة وتظل عالقة في نفوس الأولاد وفي عقولهم.. كن (موسوعة مبادئ علمية أخلاقية قيمية روحية اجتماعية تمشي على الأرض) افتح عقول الأولاد؛ للنظر والتأمل والتدبر في مكنونات خلق الله في الكون الفسيح درب عيون الأولاد على تسبيح الله تعالى؛ بالنظر المعمق في كونه ومخلوقاته وآلائه.
واعلم أن الطفل الصغير عجينة غالية جدا جدا فيجب أن نشكلها على أفضل ما يكون ولا تنس أنه صنيعة الله.
واعلم أيضا أنه لا يُعين على سَوِيّة النشأة إلا باحترام الذات الإنسانية أي احترام الوالد والمربي لإنسانية الطفل والشاب.. علموهم شكر نعم الله تعالى على الإنسان؛ فالبشكر تدوم النعم ومن أهمها نعمة الإسلام ونعمة الوطن الذي باركه الله، ونعمة الأمن والأمان…
علموهم الرضا والقناعة وأن من نظر إلى من فُضِّل عليه في المال والولد، فلينظر إلى من هو دونه.. علموهم احترام أقدار الله في الكون والخلق والحياة.
علموهم احترام الضعفاء والثقة بالنفس واحترام الآخرين ونموا فيهم ثقافة الوضوح الجرأة والإفصاح حتى لا يكون تحت وطأة الخوف من أب أو معلم أو مدير أو غيره، ذلك لأن الخوف يولد كثيرا من القيم السلبية منها: الكذب وعدم الاكتراث، وعدم الاهتمام بالممتلكات الخاصة والعامة، والأخطر تنمية الدافع للانتقام بشتى صوره.
عالِم أجنبي اسمه (براين تريسي) يقول: إن أغلب المشكلات في الحياة تحدث بسبب الغموض وعدم الوضوح فالوضوح هو كلمة السر في النجاح في الحياة، وأغلب مشكلاتنا في الحياة تحدث بسبب عدم الوضوح..
ركزوا على مقومات البناء النفسي والروحي للشخصية السوية، وهي: (الأمن – العدل – الحرية – الحنية – الثقة- القدوة) ازرعوا فيهم: الأمل – حب العمل – العزة – حب الوطن وحب الناس- القدرة على الإفصاح والصدق، بحيث (ما تضمره في نفسك تستطيع بوحه لوالدك ولمعلمك… بلا خوف) ازرعوا فيهم قيم الاتقان والإحسان.. علموهم الإتقان والإحسان .. في كل شيء.. ومع كل الناس والمخلوقات.. وفي كل حال قيل لسيدنا يوسف وهو في السجن..!!،” (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، وقيل له وهو على خزائن مصر (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فكن أيها الشاب محسناً حتى وإن لم تلق إحساناً من الناس.. كن محسنًا ليس لأجلهم..!! بل لأن الله يحب المحسنين“.
نقطة مهمة أشار إليها المفكر العظيم جان جاك روسو: إذا كنت تريد أن يكون ابنك أتعس الناس، فأعطه كلَّ ما يريد“.
وأقول للآباء والأمهات والمعلمين: رَبُّوا في أولادكم العقل والقلب معا؛ لأن في العقل إرادة وفي القلب ضمير..
ابنوا في الطفل شخصًا قويًّا لا يحتاج في اليوم الصعب إلى ملجأ، إلا الله.
ازرعوا في قلب الصبي وفي وجدانه ثقافة التفاؤل والأمل..
ومن الجميل أن الدراسات العلمية تثبت أن المتفائلين هم:
- أكثر الناس نجاحًا
- وأكثر الناس إيجابية
- وأكثر الناس تعاونًا
- وأكثر الناس إنجازًا
- وأكثر الناس حكمة
- وأكثر الناس صحة
- وأطول الناس أعمارًا بإذن الله تعالى
- وأكثر الناس صحة
- وأكثر الناس حكمة
- وأكثر الناس إنجازًا
- وأكثر الناس تعاونًا
ازرعوا في أولادكم ثقافة الأناقة:
- أناقة الفكر
- أناقة القول
- أناقة السلوك
- أناقة المظهر
- والأهم أناقة الجــــــوهر
- علموهم العدل، والموضوعية، والنزاهة، والحيادية، والعمل الجماعي، وثقافة الشورى، واحترام المخالف وعدم الحجر على فكره، والرجوع لأهل الذكر في كل مجال: فأهل الذكر في الطب هم الأطباء، وأهل الذكر في الهندسة هم المهندسون، وأهل الذكر في الزراعة هم الفلاحون، وأهل الذكر في الفقه هم الفقهاء..
- علموهم التسامح والتعددية وقبول الآخر، وعلموهم الابتعاد عن الانفعالات الفكرية، وأننا عندما نختلف مع أحد فإننا نختلف مع فكره وليس مع شخصه، وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية..
- اغرسوا في عقولهم القيم الدافعة للتقدم في الفكر الإسلامي مثل العمل المتقن التعلم المستمر الإبداع الإتقان..
- ازرعوا الجمال في وجدان الأولاد، فالإنسان تعلم الفن من الطبيعة من الكون: اجعلوهم ينظرون ويتأملون ويتدبرون في الطاووس، والطيور، والرخام، والزروع والورود والأزهار… وبديع خلق الله، وقوس قُزح وتداخل الألوان في السماء والأسماك في البحار..
- دربوا آذانهم على سماع النغم الطاهر الذي خلقه الله في الكون، فمن أنغام الكون (أصوات الرياح- أصوات البحار – أصوات الطيور والمخلوقات.. أصوات مرور الهواء بين الزروع والأشجار) مَن الذي خلقها ولماذا؟.
- اجعلوهم يشاهدون فن الكون وبديع صنعه.. نَمَّوا الجمال في وجدانهم، فبالجمال تتهذب النفوس..
- علموهم أنهم أصحاب رسالة ومسئولية في هذه الحياة.
- علموهم أن تقدم الوطن يتوقف على الأداء الحضاري المتميز لمجموع المواطنين
- علموهم أن الحب؛ حب الله تعالى، وحب رسوله الكريم، وحب الناس، وحب الوطن، كل ذلك ركن في الإيمان ودليل على صدقه..
- رسخوا المسؤولية الاجتماعية والإيجابية في نفوسهم منذ الصغر، بحيث يكون الطفل إيجابِيًّا في كُلِّ أحْوالِه، وأنْ يكونَ نافِعًا لنَفْسِهِ ولغَيْرِه ولوطنه ولدينه.. وأن يأخذ بالأسباب وألا يتوانى في عمل الخير، وأن يكون مُنتجًا، وحريصا على الوقت، وفاعلاً في حياته ومجتمعه، وأن يبادر بالأعمال الصالحة قبل انتهاء الأعمار.
- أناقة المظهر
- أناقة السلوك
وهنا نتذكر حديث الفسيلة يقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): (إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةً –أي صغار النخل- فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها) (أخرجه مسلم).
وهناك عشرة أسرار للشخصيات المتوازنة والسوية والناجحة حددها خبراء التربية والتنمية البشرية، إذا كان ولدك قد تحققت فيه هذه الصفات فقد نجحت في تربيته، وهي:
(يمدحون الآخرين باعتدال – لا يمدحون أنفسهم – مبتسمون دائما – يتركون المجال لمن معهم لكي يتحدثوا – ينصتون باهتمام – لديهم حس فكاهي محترم دون سخرية من أحد – يساعدون غيرهم على الدوام، فحينما تحتاجهم تجدهم – يصدقون في حديثهم نصحهم – ينسبون الفضل لأهله – يشجعون على النجاح باستمرار).
هذه مواصفات الشخصية السوية الناجحة.. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك في أولادنا وأن يباعد بينهم وبين الشرور كما باعدت بين المشرق والمغرب.. يارب