رسائل الزغاريد
بقلم/ د. محمود عابدين
دقيقة حداد قبل أن أبوح لحضراتكم بما يجول بخاطري وأعبر لحضراتكم عن مكنون أحاسيسي.
وإن شئت الإنصاف فدقيقة الحداد لا تكفي فالحداد يجب أن يستمر أياما بل شهور.
فمن حزنا عليهم زهرة الشباب وحماة الأوطان وخير الأجناد قد اغتالتهم أيادي الغدر والخسة والخيانة.
اغتالتهم أيادي تريد أن تختطف الوطن وتعبث بمقدرات الشعوب.
شهداء أبرار أصبحوا في الشهر الكريم صائمين ولم يكن يخطر لهم علي بال أن موائد إفطارهم يعدها لهم أكرم الأكرمين سبحانه وتعالي.
فالشهادة في ديننا وثقافانا مطمع وأمل فهي ليست بالمرتبة السهلة وإنما أصحابها أحياء عند ربهم يرزقون.
ويا سبحان الله ظهرت ملامح هذه الثقافة في مشهد أعجب ما فيه أنه تكرر كثيرا أقصد به مشهد الزغاريد أثناء تشيع جثامينهم إلي الدار الآخرة.
وقد يتخيل إنسان أنها دلالة علي الفرح بفراقهم وأنه لا وجع يهز القلوب لفقد أعز الشباب وأطهر الجنود.
إنها يا سادة مشاعر متداخله يعجز أعتي المحللين عن التعرف علي تفاصيلها.
حزن ولا شك، فالأم التي فقدت قطعة منها لا شك أن الحزن يعتصر فؤادها والزوجة التي ترملت وفقدت رفيق عمرها يقينا قلبها يعتصر حزنا والطفل الذي وجد نفسه يتيما حزنه يعجز اللسان عن التعبير عنه.
فلماذا الزغاريد إذن؟
إنها الشهادة، الشعور بأنهم يشيعون شخصا إلي جنات الخلد، نال مرتبة الشهداء، فاز بسعادة الآخرة.
العجيب كما قلنا أنك إذا تابعت جنازة شهيد بني سويف تجد الزغاريد وإن نظرت إلي تشييع جنازة فقيد المنوفية أو الإسكندرية أو أسوان رأيت المشهد يتكرر.. زغاريد في الجنائز.
ولعمري إنها لرسالة لفئات متعددة من المجتمع؛ هي رسالة لهؤلاء المجرمين: أنكم ما صنعتم شيئا سوي أنكم أهديتم أولادنا مراتب العز والفخر والكرامة فايأسوا.
ورسالة للأمهات مفادها: الحياة قصيرة وما عند الله أفضل.
ورسالة للشباب: ارفعوا سقف طموحاتكم الدينية الأخروية كما ترفعون سقفها عندما تتعلق بالدنيا.
كل هذه رسائل ترسلها الزغاريد.
الزغاريد التي في جنائز الشهداء.