كورونا والشلل الفكري
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
لا ينبغي أن تبتلى ثقافتنا بالكرونا، فإذا كانت الكرونا تسيطر الآن على عقول البشر، وتدفع إليهم الأوهام والأفكار الموحشة، والتوقع بأن تغير كثيرا من النظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحتى السياسية في العالم، وتحتار عقولهم في تداعيات الكرونا، وما يمكن أن يكون عالم ما بعد الكرونا، فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الآليات المتنوعة والمعقدة والفعالة في الساحات المختلفة، ومنها الساحة الثقافية، لأن تعليمات الوقاية والعلاج لم تؤثر كثيرا في مواجهة هذا الفيروس الخطير، والذي يبدو أكثر ذكاء من الناس. لقد قضت الكرونا على عدد من البشر يفوق ما أحدثته الحرب العالمية، بل إنها مازالت في حالة انتصار، وحصد للأرواح، ولا يمنعها الحظر والإجراءات الوقائية عن القيام بما انتوت عليه، فهي تقوم بتطوير نفسها وزيادة أسلحتها أمام عجز من يتصدى لها.
إن الاعتماد على النقل في الثقافة وأدواتها من القصص والأفلام والمسلسلات والشعر والإعلام وغير ذلك، لن يضيف شيئا لثقافة الناس، بل يزيد ثقافتهم تراجعا، ينبغي أن نتوقف ونفكر في آليات ثقافية خلاقة، ليست محدودة بزمان أو مكان، تنطلق إلى فضاء خلاق. إن الأدب المشبع بالخيال قادر على أن يوجد مناخا جديدا للثقافة الوطنية، مع البعد عن التخيلات الفضائية التي يؤكد ديننا استحالة وقوعها. ينبغي على آلياتنا الثقافية أن تقوم بهضم ما يحدث في المجتمع والعالم، دون أن تستفرغه في أعمالها، بل عليها أن تعيد تصوره من جديد برؤية جديدة وفكر جديد وروح جديدة. من الواضح أن الكرونا تسبقنا بخطوات، ومن ثم ينبغي أن نطلق لفكرنا العنان من أجل تصور قفزة كبيرة تجعلنا نتجاوزها، ونوقف زحفها، ونخضعها لفكرنا وعملنا. الكتابة عن المستقبل تحتاج قفزة فكرية. مثل تلك التي أوجدت الثورة الصناعية، التي تركت الأفكار والآليات التقليدية لتقدم إبداعا جديدا، ولست أرى أفضل من العرب والمسلمين بما لديهم من مرتكزات حضارية وعقائدية، على القيام بمثل هذه القفزة، بشرط أن يتخلصوا من إحساسهم بالعجز، وضرورة تتبع آثار الآخرين، أو النقل عن الأقدمين.
إن اقتراب الأدب والثقافة والفن من الإيمان أحد موانع اقتراب الكروبا من الثقافة الوطنية، فالكرونا الآن خلقت نوعا من الدراما الإنسانية، لكنها بدون مغزى أو نهاية، كما أن الرسالة يحوطها كثيرا من الظنون والتهويمات.
إن مشكلتنا الثقافية ناتج الفصل بين أسس لا تتحقق المعادلة إلا بها، الدين، العقل، العلم، الأخلاق، الأجر، لنتوقف قليلا عند سورة القلم، يقول تعالى: نون والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون، وإن لك لأجرا غير ممنون، وإنك لعلى خلق عظيم، فستبصر ويبصرون، بأيكم المفتون، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. آيات تمثل درسا في الثقافة الصحيحة، أقسم الله بصحتها، وتعهد بالهداية إليها، فأقسم بالقلم قسم يعطيه قدسية الحق، فما يسطره القلم هو ثقافة كاتبه، تبدأ من فكره المتعقل إبتغاء أجر معنوي أو مادي، يشعل حماسه، تبلوره الأخلاق، ومن خلاله تكون البصيرة، بتبين الصحيح من السقيم عند قراءته أو عند عرضه بالنشر على الناس، والتوجه حكم بين الجميع، فالله يعلم من ضل ومن اهتدى.
إننا في حاجة إلى إنشاء قاعة للفكر تجمع بين العلماء والمثقفين والأدباء والفنانين، ليطرحوا رؤاهم المستقبلية، وماذا يستفاد منها، وكيف يمكن تحقيقها.