علاج للألم والمنغصات
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
يقول تعالى: «واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون» (النحل 127).
دعوة كريمة من إله حكيم سبحانه فالصبر سلاح ماض في مواجهة خطوب الحياة ومن لا يملكه تشق عليه الحياة، ويضعف في مواجهة أقدار الحياة.
واعلم أيها الصابر المحتسب أنك حين تتوجه إلى الله تعالى وتسأله العون والتسديد فإنه سبحانه معك أينما تولي، ويخفف عنك ما تواجهه من صعاب، وما تتجرعه من منغصات, حين تفعل كل ذلك لله تعالى محتسبًا الأجر عنده سبحانه.
إنه علاج ناجع لما تواجهه من منغصات، وبلسم لن تجد مثله في صيدليات الدنيا كلها. إنه دواء يباع في صيدلية وحيدة، هي صيدلية الرحمن، وفيها أدوية لجميع الاستعمالات، ولأن الله تعالى هو الشافي المعافي الذي لا شفاء إلا شفاؤه شفاءً لا يغادر سقمًا، فإنك واجد في صيدليته أدوية وعلاجات لم يكتشفها العلماء بعد لأن الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل داء إلا وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله».
ومعلوم أن الإيمان شطران، نصفه صبر على البلاء، وشكر على النعماء، وإذا كان الإنسان يعيش في رخاء مع النعمة، فإنه في البلاء يعيش مع المنعم سبحانه وتعالى يطعمه ويسقيه. ومن كمال الإيمان وتمامه أن تصبر في البلاء، وأن تشكر في الرخاء، وأن تبحث في البلاء عن العطاء، فهو سبحانه يمنع ليعطي، وصدق الله تعالى: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».
واعلم أيها المبتلى الصابر أنك سوف تنال على صبرك من الأجور ومن العطايا ما لم يخطر لك على بال، وتأمل في تدبر قوله تعالى: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» (الزمر 10). وحين تتدبر الآية الجليلة، وتحاول أن تغوص في أعماق النص المقدس سوف تجد بداية قوله تعالى: إنما يوفى الصابرون، وهذه خصوصية للصابرين دون سواهم، لأن (إنما) أداة تفيد الحصر، وهذا يعني أن الأجر الذي تتحدث عنه الآية، والمنزلة التي سوف يبلغها أهل البلاء لا يشاركهم فيها أحد حيث حصرت «إنما» هذه الخصوصية عليهم وإن عبارة «بغير حساب» تفيد معنيين، الأول: بلا محاسبة، والثاني: بلا عدّ ولا حصر, نجد ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول: يؤتى بالشهيد يوم القيامة فيوقف للحساب ثم يؤتى بالمتصدق فيوقف للحساب ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينصب لهم ديوان فيصب عليهم الأجر صبًّا حتى أن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله، عن عبدالله ابن عباس رضي الله عنه، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ولقد وضح الحديث معنى عبارة «بغير حساب» وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم عن المعنى الأول وهو بغير محسابة في قوله: «فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينصب لهم ديوان» وهذان هما أدوات المحاسبة يوم القيامة، وأما المعنى الثاني الذي من الممكن أن نفهمه من هذه العبارة فهي في قوله: «فيُصبّ عليهم الأجر صبًّا» أي بلا عد ولا حصر. وكل هذا العطاء هو لأهل البلاء الذين صبروا على ما أصابهم، واحتسبوا الأجر عند مولاهم سبحانه وتعالى، ولم يتذمروا أو يعترضوا على بلاء الله تعالى لهم، وقبل أن يروا في البلاء الألم، فإنهم يرون فيه الأمل، وهم متفائلون دومًا ويرون في الكأس النصف الملآن دائمًا.
ومن كمال الصبر عند المؤمن أن يصحبه الرضا، فقد يكون صابرًا لكنه غير راض، فإذا جمع مع الصبر الرضا تحقق له كل ذلك العطاء الذي تحدثت عنه الآية الجليلة، وحصرت الخير كله لأهل البلاء الصابرين الراضين.