الطبيعة القانونية للجان تسوية المنازعات الأسرية
بقلم/ د. محمد حسين نجم
المحامي بالنقض
رغبة من المشرع المصري لأهمية فض المنازعات الأسرية في أقرب وقت ، وحفاظا على استقرار الأسرة وثبات المراكز القانونية اتجه نحو التخصص القضائي بإنشاء محاكم متخصصة بمسائل الأسرة، من أجل الحد من ظاهرة بطء التقاضي، وقصر الحق في التقاضي أمام محكمة الأسرة على درجتين ، وإلغاء طريق الطعن بالنقض ، ومن أجل تحقيق السرعة في إنهاء المنازعات الأسرية نظم المشرع طريقا للتسوية قبل اللجوء إلى الدائرة المختصة بنظر المنازعة الأسرية .
وتتشكل مكاتب التسوية من عدد كاف من الإخصائيين القانونيين والاجتماعيين والنفسيين الذين يصدر بقواعد اختيارهم قرار من وزير العدل بعد التشاور مع الوزراء المعنيين، على أن تنشأ بدائرة اختصاص كل محكمة جزئية مكتب أو أكثر لتسوية المنازعات الأسرية .
ووجوب الالتجاء إلى مكاتب التسوية قبل رفع الدعوى أمام محكمة الأسرة محدد بالدعاوى التي يجوز فيها الصلح فقط ، أى يمكن للخصوم الصلح والتنازل عن الحقوق الأسرية ، وعلى سبيل المثال دعاوى النفقات ، ودعوى الخلع ، وفيما عدا ذلك يجوز اللجوء إلى المحكمة دون أن يسبق رفع الدعوى تقديم طلب أمام مكتب التسوية .
ويعنى ذلك إذا كان الحق موضوع الدعوى لا يجوز للخصوم التصالح فيه لتعلقه بالنظام العام وكذلك الدعاوى المستعجلة والمقصود هنا هو رفع الدعوى الذى يطلب فيها المدعى الحكم بصفة مستعجلة ، والدعاوى المتعلقة بالتنفيذ ، والأوامر الوقتية .
وطبيعة عمل مكاتب التسوية هو الاتصال بأطراف النزاع بعد تقديم طلب بإجراء التسوية فى موضوعات محددة ويخطر الطرف الآخر بالجلسة وتبدأ بسماع أقوالهم وبيان جوانب الخلاف وآثاره على الزوجين والأولاد وإبداء النصح والإرشاد في ضوء أحكام القانون والهدف الأساسي هو تسوية النزاع بين الطرفين وديا حفاظا على الأسرة .
وقد حدد القانون ميعاد تنظيمي يجب أن تتم التسوية خلاله وهو خمسة عشر يوما ، ويجوز للطرفين الاتفاق على تجاوز هذه المدة دون أن يحدد القانون ميعاد أقصى للميعاد الذى يجوز الاتفاق عليه بين الطرفين، ومصير مرحلة التسوية لا يخرج عن ثلاث حالات وهى كالتالي :
الحالة الأولى : تخلف طرفا التداعى أو أحدهما عن الحضور وفى هذه الحالة يحفظ الطلب ، ويثور التساؤل في حالة تخلف طالب التسوية عن الحضور يؤدى الغرض منه أم يجوز للمحكمة رفض الدعوى لعدم جديته في التسوية وقد صدر حكم من محكمة الأسرة بهذا المعنى ، إلا أننا لا نرى أن الحكمة من اللجوء إلى مكتب التسوية قد تحققت ولا يلزم الدور الإيجابي لطالب التسوية بمجرد تقديم طلب التسوية دون حضور جلسات التسوية يحقق الهدف منه ويجعل الدعوى مقبولة ، وتيسيرا من المشرع أجاز للمحكمة أن تأمر بإحالة الدعوى إلى مكتب التسوية للقيام بمهمة التسوية ، بدلا من القضاء بعدم قبول الدعوى إذا رفعت ابتداء دون اللجوء إلى لجان فض المنازعات .
الحالة الثانية : الاتفاق على الصلح بين الطرفين يتولى رئيس مكتب التسوية إثبات اتفاق الصلح ويوقع من الأطراف وتكون له قوة السندات ، واجبة التنفيذ ، وينتهى النزاع في حدود ما تم الصلح فيه ، ولا يحتاج الأمر العرض على المحكمة .
الحالة الثالثة : إذا حضر أطراف مرحلة التسوية ولم تسفر الجهود إلى تسوية النزاع في جميع عناصره أو في جزء منه ، وأصر طالب التسوية على استكمال السير في الدعوى أمام محكمة الأسرة يحرر محضر ويوقع من الأطراف ويرفق به تقارير الإخصائيين وتقرير رئيس المكتب ، وترسل الأوراق إلى محكمة الأسرة المختصة ، وقد حدد القانون ميعاد تنظيمي مقداره سبعة أيام من تاريخ تقديم طلب التسوية ، من أي طرف من أطراف النزاع ، والسير في الإجراءات القضائية ، ويتحدد نطاق الدعوى القضائية في الطلبات المتنازع عليها دون الوصول إلى تسوية ودية أمام مكتب التسوية .
ويفهم مما سبق أن الطبيعة القانونية لتسوية المنازعات الأسرية غير متعلق بالنظام العام ، حيث يتعلق الأمر بتحقق الحكمة التي توخاها المشرع من عدمها ، وعلى سبيل المثال إذا رفعت دعوى متعلقة بمنازعة أسرية التي من الواجب اللجوء إلى مكاتب التسوية قبل رفع الدعوى وحضر الخصوم أمام المحكمة وطلبوا الصلح فيجب على المحكمة القضاء بإلحاق محضر الصلح بمحضر الجلسة دون إحالة الدعوى إلى مكتب التسوية لسرعة الفصل في المنازعات الأسرية وتحقيق الاستقرار.
ونناشد الهيئات الدينية العمل على نشر التوعية بالتأكيد على أهمية الحلول الودية في إنهاء المنازعات الأسرية وترسيخ إعطاء الحقوق لأصحابها والبعد عن اللدد في الخصومة واختيار الوسائل البديلة عن اللجوء إلى القضاء توفيرا للوقت وجهد القضاة .