المسئولية في الإسلام
بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على هداه إلى يوم لقاء الله.. وبعد
والمسئولية في الإسلام فردية وجماعية واجتماعية وإنسانية..
- المسئولية الفردية في منظور الإسلام تعنى: كل ما يجب على الإنسان أداؤه تجاه ربه، وتجاه نفسه بأن يكون مسئولا عن جوارحه وعن بدنه وعقله وعلمه وعمله، وأسرته، وعباداته ومعاملاته ومسئولياته، وما يجب عليه أداؤه تجاه بني جنسه، وكذلك تجاه شتى مفردات الطبيعة والكون (الحيوان والنبات والجماد والماء والفضاء…إلخ)
يقول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب: 72). فهذه الآية الكريمة تدل على المسؤولية بمعناها الشامل، فالأمانة هنا تعني المسؤولية تمامًا
–قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(الأنفال: 27).
وقد سمى الله تعالى التقصير في تحمل مسؤولية الأمانة بالخيانة
وقال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) (الإسراء: 34)، تدل على مسؤولية الإنسان عما يقطعه على نفسه من العهود والمواثيق مع الآخرين
وقال أيضا: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36)، ففي هذه الآية التصريح بمسؤولية الإنسان عن جوارحه، فهو محاسب على كل ما يقوم به..
وقال: (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 93)، وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: 38)، ويقول أيضا: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر: 18) ويقول تعالى (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ) (الأنعام: 104)، ( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ) (لقمان: 12)، وقال تعالى (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (فصلت: 46) ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر: 18).
ويحدد النبي صلى الله عليه وسلم معالم المسئولية وشمولَها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه والرَّجلُ راعٍ في أهلِه ومسؤولٌ عن أهلِه والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها ومسؤولةٌ عن رعيَّتِها والخادمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومسؤولٌ عن رعيَّتِه وكلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه) (صحيح ابن حبان)
وهناك حكمة جليلة قالها الأجداد (من تمام المروءة أن يعرف المرء ما عليه فيؤديه، ويعرف ما له فيستوفيه).
- وأما المسئولية الجماعية تجاه الآخرين، فتشمل:
- ضبط اللسان: يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيقُلْ خيرًا أو لِيصمُتْ) (أخرجه ابن حبان في صحيحه).
- ضبط الفضول: يقول (صلى الله عليه وسلم): (مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُهُ ما لا يعنيهِ) (أخرجه الترمذي وابن ماجة)
- ترك الجدال والكذب: يقول (صلى الله عليه وسلم) : (أنَا زَعِيمُ بَيتٍ في رَبَضِ الجنةِ ، لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ و إنْ كان مُحِقًا، و بَيتٍ في وسَطِ الجنةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ و إنْ كان مازِحًا ، و بَيتٌ في أعلى الجنةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ ) (صحيح أبي داود).
- ضبط النفس: قالَ رجل للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ) (أخرجه البخاري في صحيحه).
- سلامة القلب: يقول (صلى الله عليه وسلم): ( لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (أخرجه البخاري في صحيحه).
- حماية الأعراض: تحريم الزيا وتحريم مقدماته كالاختلاط المحرم والخلوة المحرمة والنظر المحرم والتبرج، وأوجب الاستئذان..
- حماية الجار وإكرامه: يقول (صلى الله عليه وسلم): ( مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُكرِمْ جارَه) (أخرجه ابن حبان في صحيحه).
- وأما المسئولية المجتمعية فتعني قيام المجتمع أفرادا ومؤسساتٍ وقيادات بواجبهم نحو أوطانهم، والمحافظة على ثرواته ومكتسباته والمال العام والخاص ، ونشر القيم ، وترسيخ التسامح والأمن والسلام وإطعام الجائع – كساء العاري – مداواة المريض – إغاثة الملهوف – تأمين الخائف – تعليم الجاهل – هداية الحائر -وزراعة الأشجار المثمرة
وتتعاظم مسئولية التجار عموما وفي هذه الأوقات خصوصا فيجب على التاجر أن يكون أمينا صدوقا فالتاجر الصدوق يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء.
وكذلك الأطباء والصيادلة ورجال الجيش ورجال الأمن والإعلاميين والأثرياء.
وهنا نتذكر أن سيدنا عثمان اشترى بئر رومة لحاجة المسلمين الماسة إليه وأوقفها عليهم، انطلاقا من مسئوليته تجاه البلاد والعباد.
- وأما المسئولية الإنسانية، فتعني تكاتف البشرية جمعاء من أجل تعزيز الأخوة الإنسانية، ونشر ثقافة المحبة والتعاون والسلام، ووقف الحروب والصراعات، والتكاتف لمواجهة التحديات، والمحافظة على شتى مفردات البيئة والطبيعة والكون، وعدم الإخلال بالتوازن الذي خلقه الله في هذه الحياة.