هوس الاستهلاك وضحايا الأفعال الفاضحة
بقلم/ د. نجلاء الورداني
تعتبر ظاهرة البغاء وممارسة الفعل الفاضح ظاهرة متأصلة الجذور في ثنايا التاريخ البشري، فقد عرفت ممارسة البغاء في الحضارات القديمة والوسيطة والحديثة على اختلاف أنواعها.
لذا يعد البغاء من الظواهر التي تلازم الحياة الاجتماعية بحيث يمكن تلمسها فى أي مجتمع من المجتمعات. غير أن البغاء ظاهرة اجتماعية مرذولة تخالف أحكام الشرائع السماوية ومعظم القوانين الوضعية،
وأيضًا المعايير والضوابط الاجتماعية ومبادئ الخلق والقيم النبيلة، حيث تهدر الكرامة وتؤدي إلى المهانة والتحقير، كما أنها تفسد الحياة الاجتماعية وتضر بالمصلحة العامة والقومية حين تسيء إلى سمعة البلاد وأمنها وتشوه صورة نسائها، وتمتد آثارها السلبية المدمرة إلى الأسرة والمجتمع.
ويعرف البغاء بوصفه “الفعل الذي تقدم فيه الأنثى نفسها بهدف الحصول على أجر، فالعميل يدفع هذا الأجر نظير الاتصال الجنسي الذي يخلو تمامًا من علاقات الحب والمودة، أو الشعور بالعاطفة، أو حتى مجرد قيام علاقة شخصية”.
وثمة عدد من العوامل قد تدفع بالمرأة داخل المجتمعات المختلفة لممارسة البغاء والفعل الفاضح، وبالأخص المجتمعات الفقيرة والمهمشة كانخفاض المستوى الاقتصادي، حيث تمارس المرأة البغاء كوسيلة للتكسب وتوفير الاحتياجات الضرورية والاقتصادية.
فالمرأة في مثل هذه المجتمعات، قد تعاني من عدم توافر فرص عمل تحقق لها دخل ملائم، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الإعالة.
أيضًا تدني المكانة الاجتماعية للمرأة وشعورها بالنقص، وعدم الأمان قد يدفعها إلى البغاء، خاصة مع انخفاض المستوى التعليمي لها وزيادة الضغوط النفسية والاجتماعية التي تعترضها، فتعجز عن تحقيق أهدافها بالطرق المشروعة مما يجعلها تلجأ إلى الطرق غير المشروعة.
وبالمثل الخلافات الأسرية التي يتعرض لها الأبناء لاسيما البنات، مما يدفع بهن لمحاولة الهروب من تلك الخلافات فتلجأ إلى ممارسة البغاء والفعل الفاضح،
ولا يفوتنا أهم العوامل في ذلك كقلة الوعي الديني والارتباط الإيجابي بالقيم الأخلاقية والدينية. لقد لوحظ؛ ومن خلال عدد من الدراسات الميدانية والتطبيقية على بعض المجتمعات العشوائية والمهمشة، أن البغاء أصبح لا يقتصر على المرأة فقط كما عهد قديمًا؛ بل هناك أنماط جديدة للبغاء وممارسة الفعل الفاضح،
فمثلًا هناك ظاهرة “تأجير الرجال” أو”تأجير الأزواج” حيث تقوم امرأة ثرية إلى حد ما بالزواج من رجل مقابل إعطائه جزءًا من أملاكها، أو مبلغا من المال وفي أحيان كثيرة تغيره كل فترة كلما أرادت ذلك.
وليس هذا فقط بل أدت مشكلات الفقر والبطالة والضغوط الجنسية، التي يتعرض لها الشباب إلى أنه عندما تتاح لشاب فرصة لممارسة العلاقات الجنسية، فإنه يقوم بها على الفور دون تردد. فأصبح هناك رجال وشباب يأجرون أنفسهم لنساء يرغبون فى الجنس وغالبًا ما يكون ذلك خارج المناطق التي يقطنون بها.
وبرغم ما سبق؛ فإن هذه الظاهرة قد تكثر في مثل هذه المجتمعات ولكنها لا تقتصر عليها فقط. بل إنها شملت المجتمع المصري ككل؛ حيث كشفت وزارة الداخلية أن مكتب مكافحة جرائم الآداب في هذه الأيام أصبح من أهم المكاتب في أية مديرية أمن.
لقد أصبح يعكس حجم التغيرات المريرة التي يمر بها المجتمع المصري، وهذا لعدة أسباب منها:
سفر المصريين إلى الخارج للعمل وجلب المال، الضغوط الاجتماعية المختلفة، تفكك الأسر المصرية، الفراغ العائلي، الضغوط الاقتصادية والنفسية المتتالية، الحياة الإفتراضية خلف شاشات تفرض واقع افتراضي بأشكال متعددة اختلفت وتشعبت سلبياته، أصدقاء السوء، أنماط وعروض استهلاكية أوجدت أنواعا جديدة ومختلفة من الطموحات، ارتبطت باستهلاك ترفي مبالغ فيه أكثر منها سعيًا لتحقيق قدرا من العمل الجاد المنتج للمجتمع.
وإننا؛ وبقراءة الصحف اليومية الرئيسة والإلكترونية لنلاحظ حجم الانحلال الخلقي؛ الذي بدأ ينهش أعراض البيوت المصرية ويعري فضائحها، بنات جامعيات وبنات أسر متوسطة وأسر ثرية يمارسون الفعل الفاضح والبغاء؛ ليس من أجل مقاومة الفقر والعوز المادي فقط، ولكن من أجل تحقيق نوع من الثراء السريع والحصول على وسائل ترف ورفاهية، والخضوع لمغريات الحياة بوسائلها وصورها كافة، مما يدل على تفحل شيوع ثقافة الاستهلاك لدى هذا الشعب المسكين.