الأزهر الشريف وخطيئة شارل إيبدو
د. عبد المنعم فؤاد
أستاذ العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر
لقد أحسن الأزهر الشريف صنعا بقيادة إمامه الأكبر- يحفظه الله – وهو يحاول إطفاء نار الفتنة التي تورطت فيها صحيفة “شارل إيبدو” في فرنسا حينما تعرضت لخير الخلق ، وحبيب الحق الرحمة المهداة سيدنا النبي -عليه الصلاة والسلام- وذلك بإعادة نشر رسوماتها الخاطئة الكاذبة تجاه الرسول الأكرم لتستفز مشاعر مليار ونصف من المسلمين في العالم باسم الحرية العرجاء!، فأعلن فضيلة الإمام الأكبر قبل أن تشتعل الفتنة في ربوع الدنيا من قلب مصر الآمنة : استكار الأزهر الشديد لهذا العمل اللا أخلاقي الذي ارتكبته هذه الصحيفة باسم الحرية المزعومة وقال :
( إن هذه ليست حرية رأي بل دعوة صريحة للكراهية ، فالنبي أغلى علينا من أنفسنا، والإساءة لجنابه الأعظم انفلات من كل القيم الإنسانية ، والحضارية وتبرير ذلك بدعوى حرية التعبير هو فهم قاصر للفرق بين الحق الإنساني في الحرية ،والجريمة في حق الإنسانية باسم حماية الحريات ) ….
والإمام الأكبر بهذا ينبه الغرب الذي يدعي التحضر، والتقدم التقني الخ إلى خطورة ما أقدمت عليه هذه الصحيفة الساخرة باسم الحرية، فنبي الإسلام لا يليق أن تجعل منه هذه الصحيفة أضحوكة للسكارى ، والمتطرفين أخلاقيا فهو عندنا أحب إلينا من أنفسنا ، وأهلينا ، والناس أجمعين، ولقد كان بيان فضيلة الإمام يتناسب وصاحب المقام عليه الصلاة والسلام ، وتلقاه المسلمون بقبول حسن؛ إذ به أطفأ نار الغضب التي توقدت في قلوب الموحدين في كل مكان ، ولولا هذا البيان لرأينا فتنا تتوقد في كل جهات الدنيا ؛ لأن النبي ليس شخصا عاديا لدى أبناء أمته ، بل هوالرحمة المهداه للإنس ،والجن ،والحيوان ، والإنسان، وكل العالمين هو عندنا : صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وصاحب الشفاعة العظمى، أعطاه ربه صفوة آدم ، وقوة نوح، وهيبة سليمان، ووقار إلياس، وشدة موسى، ورقة هارون، وفهم سليمان، وذكاء داود وحكمة لقمان ، وجمال يوسف ، وزهد عيسى، علم الخضر، يفتديه المسلم حتى ، وإن كان مقصرا في تنفيذ تعاليمه بالنفس ، والمال والولد، والإسلام الذي يمثله وجاء به للبشرية ليس مذهبا أرضيا قد وضعه ثُلّة من شياطين الإنس ، بل هو دين الله الذي حمل رسالته كل الأنبياء ، وختمت بإمامهم محمد – صلى الله عليه وسلم- ،وهو عندنا محفوظ بحفظ كتابه، وسنة نبيه، والذي حفظه ليس هيئات أممية، أو مجلس الأمن العالمي ؛ بل هو رب العالمين خالق العالم ،ومسيره، لذا نحن على يقين أن هذه الصحيفة ،وجميع أعوانها لا يمكن أن تنال من هذا الدين ، ولا نبيه الكريم مهما فعلت ونشرت ، ولابد أن يغضب المسلمون والأزهر الذي يمثلهم، وغضبة الأزهر، والمسلمين : غضبة رشيدة لا تدعو إلى الفتن ،والمشاحنات ، ولكنها غضبة للحق لا ضغن ، ولا شحناء …
غضبة هدفها الرقي الأخلاقى ، وحسن الخطاب ،وهذا هو الذي علمنا إياه هذا النبي الكريم الذي تسخر منه الصحيفة المذمومة فهو القائل لنا : “المسلم من سلم المسلمون أو الناس من لسانه ويده ” ،وهو الذي تلا علينا قول ربنا (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ) هذه ثقافتنا التي يفتقدها كُتاب الصحيفة ،وأعوانهم ،والفرق بين ثقافة من يحملها عن النبي الكريم ، وما يحمله كتاب الصحيفة كالفرق بين مياه زمزم ،ومياه المستنقعات ،..
إن التحضر الحقيقي يتمثل في احترام الرموز الدينية ،والوطن،،
إن المسيح عندنا هو الوجيه في الدنيا ،والآخرة ،وكلمة الله، وروحه ،وأمه مريم هي عندنا الطاهرة العفيفة النقية سيدة نساء العالمين ، ولا يمكن أن يستهين به مسلم كما يستهان به عند البعض في الغرب عبر المسرحيات ،والأفلام الهليودية الهابطة ليصير أضحوكة للمستهزئين بل نفديه بالنفس ،والمال ،والولد كما نفعل مع نبينا، ولا يكتمل إيمان المسلمين إلا بتوقير جميع الأنبياء ،والمرسلين لذا ننبه أن الرسوم الخاطئة التي صدرت تجاه نبيا لا يمكن أن تكون أداة للسلم العالمي ، وتمنع لغة الحوار ، والبناء ، والتواصل الحضاري ،والذي يقوم به المخلصون من جميع الأديان ، ووثيقة الأخوة الإنسانية التي وقع عليها إمامنا الأكبر منذ وقت قصير مع بابا الفاتيكان ،وترجمت بكل لغات العالم لتصل إلى الدنيا بأسرها لهي خير دليل على أن الأزهر ،والكنيسة في الشرق، والغرب لا يمكن أن يقبلا بهذا الإعوجاج الأخلاقي ، فالأديان ما جاءت لخلق العداء بين الناس بل جاءت لتحقيق التعايش السلمي ، وتنبيه الفقراء أخلاقيا للاغتناء بالقيم، والمودة ، والتراحم الذي به يتحقق هذا التعايش فهل أصحاب الصحيفة الساخرة يستجيبون ، ولهذا يفقهون هذا ما نأمل ونريد.