تقرير : وليد أحمد وفيق
يتعقد ملف سد النهضة يوما بعد يوم دون وجود أفق لحل قريب يرضي أطراف النزاع. وفي خضم الخلافات أعلنت الولايات المتحدة تعليق جزء من مساعداتها المالية لإثيوبيا ردا على قرار أديس أبابا البدء بملء السد قبل التوصل لإتفاق مع مصر والسودان بشأن المشروع الضخم الذي تبنيه على النيل الأزرق.
وكانت إثيوبيا قد تحفظت سابقا على أي محاولة لتدخل أطراف أخرى في النزاع، لا سيما بعد محاولة وساطة قامت بها الولايات المتحدة، بناء على طلب مصر، وإنتهت في شباط/ فبراير بالفشل. واتهمت أديس أبابا في حينه واشنطن بالتحيز لمصر، مما جعل إدارة البيت الأبيض تشعر بقلق متزايد تجاه ملف سد النهضة، وأن قلقها ينبع من عدم تحقيق أي تقدم على مستوى المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وكان لتعليق المساعدات الأمريكية لإثيوبيا القوة الرمزية ومؤشر إلى ما قد يحدث من فرض المزيد من القيود على إثيوبيا مما أثار ضجة في إثيوبيا، لأن قرار تعليق هذه المساعدات من شأنه التأثير سلباً على جهود أديس أبابا في مكافحة الإتجار بالبشر والإرهاب والتعليم والتدريب العسكري وتمويل المساعدة الإنمائية.
إن المساعدات المقرر وقفها تشمل المساعدة الأمنية ومكافحة الإرهاب والتعليم والتدريب العسكري وبرامج مكافحة الاتجار بالبشر وتمويل المساعدة الإنمائية الأوسع، ولكن لن تؤثر على تمويل الولايات المتحدة للإغاثة الإنسانية الطارئة، أو المساعدات الغذائية، أو البرامج الصحية التي تهدف إلى التصدي لفيروس كورونا وفيروس نقص المناعة البشرية.
وأنه ربما تضطر الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات أوسع في المستقبل إذا تمادت إثيوبيا وأن تلك العقوبات يتم صياغتها حاليا في أروقة الإدارة
وهى قيد المناقشة، وهي مشاريع إستثمارية من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية، التي يمكن أن تحفز استثمارات تصل إلى 5 مليار دولار.
وكان أن قدمت الولايات المتحدة في العام المالي 2019، ما مجموعه 824.3 مليون دولار لمساعدة إثيوبيا، منها 497.3 مليون دولار مساعدات إنسانية.
وكان من أهم الأسباب أيضا، التي جعلت الولايات المتحدة تتخذ قرار تعليق المساعدات إنها كانت ترعى وتستضيف المناقشات والمفاوضات
وساعدت مشاركة الولايات المتحدة،عبر رعايتها المحادثات الرباعية حول السد في وقت سابق من هذا العام، بقيادة وزارة الخزانة، في إحداث تقدم في المحادثات.
ومع ذلك، رفضت إثيوبيا التوقيع على اتفاق نهائي، حتى مع ظهور علامات جيدة على التقدم في المفاوضات.
حيث أدركت إدارة ترامب أنها يجب أن تقف إلى جانب مصر في هذا الصدد.
وفيما يتعلق بمستجدات الوضع الإثيوبي، لعل هذا الوضع أكثر خطورة بالنظر إلى تفاصيله وتداعياته المحلية والإقليمية إذ أن القيادة الإثيوبية، بزعامة رئيس الوزراء آبي أحمد، كانت قد آلت على نفسها تكسير وتحطيم العوائق والموانع التي تحول دون تصفير المشكلات المحلية والإقليمية مع دول الجوار، ومن ثم فقد رأينا القيادة الإثيوبية منذ توليه منصب رئاسة الوزراء في نيسان/أبريل 2018، منفتحة على البحث عن إيجاد حلول لكافة مشكلاتها ومشكلات المحيط الإقليمي انفتاحاً كبيرا، لذا فقد راح آبي أحمد يعيد صياغة البيت الإثيوبي من جديد عبر سلسلة من المسارات الإصلاحية والتنظيمية، كان من أهمها احتواء المعارضة داخليا، وتصفير المشكلات مع الجارة الإريترية خارجيا، إلى جانب تدشين سياسة خارجية فاعلة لإثيوبيا في محيطها الإقليمي والدولي عبر وضع الدولة الإثيوبية كوسيط إيجابي فاعل ومؤثر في حل مشكلات المحيط الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي بمفهومه الواسع والكبير، لكن للأسف الشديد فقد آلت مستجدات الأوضاع في إثيوبيا إلى ما لا يحمد عقباه حيث يتعرض المسار الإصلاحي في إثيوبيا إلى تحديات جديدة وطارئة توشك أن تطيح بالدور الإثيوبي في هذه المنطقة الحبلى بالأحداث الإقليمية والدولية، وبدأ صراع القوميات والصراع العرقي، يظهر مجددا من وراء المشهد في بلد يوجد به تسع مناطق مقسمة على أساس عرقي، تشرف عليها الحكومة الإتحادية في أديس أبابا، وهي مناطق لها سلطة مستقلة على عوائدها وقوات الأمن التابعة لها.
ومما سبق يتضح أن مجمل المستجدات الحادثة على الساحة الإثيوبية، يتجه نحو خفوت بريق الدور الحيوي لأديس أبابا في منطقة القرن الإفريقي، وإلى انخفاض وتيرة مشاركتها الفاعلة في حل مشكلات هذه المنطقة، وهو ما ينذر بتداعيات مستقبلية مقلقة على المدى القريب، وخاصة فيما يتعلق بعملية السلام الثنائية مع إريتريا، وأيضاً بدرجة التطويق السريع للخلافيات البينية الطارئة بين الدول الإفريقية، والتي يتوقع إفتقادها المستقبلي للاحتضان الإثيوبي الكامل والسريع وفق ما اعتدنا عليه خلال الشهور الماضية، وذلك بفعل حالة الإنكماش الإجباري التي يفرضها الوضع الراهن.