من آيات الإعجاز العلمي والعددي في القرآن الكريم (أولًا)
بقلم/ د. محمد العربي
يعد القرآن الكريم هو المعين الذي لا ينضب والوحي الخالد المعظم لعظمة من انزله وتعهد بحفظه وكان من أسباب تشريف الأمة المحمدية أن جعل الله هذا النص المقدس عنوان صلاحها وخير معاشها ومعادها ولا تزال القلوب والعقول شغوفة مشتاقة يوما بعد يوم الي اكتشاف ما سبق به القرآن الكريم من آيات إعجاز تثبت للعيان كيف أن الآية القرآنية تتحدث عن أمور الأكوان الحياتية كما تتحدث عن مناهج التشريعات التكليفية لذا فإن القرآن هو أفضل نعمة أمتن لله بها على عباده ولا يعرف قدرها إلا من ذاق حلاوتها وبهاءها.
ولقد أمضيت مع هذا الكتاب – ولا أزال- شطراً من حياتي أتقلب بين كلماته وألفاظه فأجد فيها سموا ورقيا وتناسقا لم أعرفه في كتابة بنى البشر لأنه تصور كامل للخلود والوجود يوجه القلب والعقل والروح والبدن الى الخالق الواحد الأحد الذى تتجه إليه المخلوقات في خشوع العابد للمعبود ثم يترقى الانسان بهذه الكرامة والسمو عندما يعلم أن بينه وبين الله علاقة وثيقة مستمدة من هذه النفخة الإلهية الكريمة التي حفى بها الأب الأول للإنسانية أدم عليه السلام وكأن هذه الرسالة لبنية من بعده للاستمساك بالمنهج الإلهي حتى يصلو الى أقصى درجات الكمال المقدر لهم ولن يكون هذا إلا بالرجوع إلى الله والاحتكام إلى منهجه الذى جعل صلاح الحياة والأحياء مرتبط به.
لأن القرآن كتاب نزل لصلاح أمر الناس كافة ورحمة بهم لتبليغهم مراد الله منهم “وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ” [ ” (النحل:89)
فمراد الله من كتابه هو بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين وقد أودع ذلك في ألفاظ القرآن الكريم التي خاطبنا بها خطابا بينا وتعبدنا بمعرفة مراده والاطلاع عليه.
” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ” (ص:29)
ويقول صاحب التحرير والتنوير (قد اختار الله سبحانه وتعالى أن يكون اللسان العربي مظهرا لوحيه ومستودعا لمراده وأن يكون العرب هم المتلقين لشرعه وإبلاغ مراده لحكمة عملها منهم كونهم أفصح الألسنة وأسهلها انتشارا وأكثرها تحملا للمعاني مع إعجاز لفظه ولتكون الأمة المتلقية للتشريع والناشر له أمة قد سلمت من أفة الرأي عند المجادلة ولم تقعد بها عن النهوض عن أغلال التكالب على الرفاهية ولا عن تلقى الكمال الحقيقي. وليس المراد من خطاب العرب بالقرآن أن يكون التشريع قادرا عليهم أو مراعيا لأحوالهم بل إن عموم الشريعة ودوامها وكون القرآن معجزة دائمة مستمرة على تعاقب السنن ينافى ذلك.
نعم إن مقاصده تصفية نفوس العرب الذين اختارهم كما قلنا لتلقى شرعته وبثها ونشرها فهم المخاطبون ابتداء قبل بقية أمم الدعوة فكانت أحوالهم مرعية لا محالة وكان كثيرا من القران مقصود به خطابهم خاصة وإصلاح أحوالهم، لكن هناك كثير من المقاصد الصلية التي جاء القرآن لتبيانها ويجب علينا توضيحها ممهدين لهذا السفر الجليل وما يجب أن يكون عليه غرض المفسر عند تعامله مع كتاب الله تعالى.
ومن أهم المقاصد التي من اجلها أنزل الله الكتاب على نبيه القران أن يكون القرآن معجزة ناطقة في فم الدنيا بصدقه فيما يبلغه عن ربه كما أن القرآن جاء ليقرب الناس من خالقهم عن طريق تلاوته وحفظه وتدبره والعمل بتشريعاته وآدابه وتوجيهاته ولقد تكلم الإمام القرطبي بإسهاب في مقدمة تفسيره عن فضائل القرآن والترغيب فيه وفضل طالبه وقارئه ومستمعه والعاملين به وكيفية تلاوته فقال ما ملخصه ( اعلم أن هذا باب واسع كبير الف فيه العلماء كتبا كثيره نذكر من ذلك نكات تدل على فضله وما أعده الله لأهله اذا اخلو الطلب لوجهه وعملوا به وأول ذلك أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنه كلام رب العالمين ومن الأثار التي جاءت في هذا الباب ما أخرجه الترمذي عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: ( من شغله القران وذكرى عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطى السائلين)
وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: (إن هذا القران مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم).
وروى الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)
ولقد حذر النبي أمته أشد التحذير من نسيان القرآن روى الترمذي وأبو داود عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( عرضت على ذنوب أمتى فلم أرى ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو أية أوتيها رجل ثم نسيها).