تعليم القرآن الكريم وليس تحفيظه: فريضة غائبة!
أ. د. محمد السعيد عبد المؤمن
آلاف المدارس والكتاتيب التي فُتحت لتحفيظ القرآن الكريم، وملايين الناس تَحفظ القرآن الكريم، وملايين الناس تتلوا القرآن الكريم، وآلاف الإذاعات والقنوات تذيع القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النار، فلِمَ لا يعمل الناس بالقرآن الكريم؟! ولِمَ تأخر العالم الإسلامي، وعلى رأسه سَدَنَة القرآن الكريم في مصر والسعودية والدول العربية؟! لماذا يُخطئ حَفظة القرآن في نحو وصرف اللغة العربية في أحاديثهم على المنابر؟ ولِمَ يستخدمون العامية في خطبهم؟
الرد الوحيد عن هذه الأسئلة في عدم إدراك أن الله سبحانه تولى بنفسه حفظ القرآن الكريم، وطلب من الناس تعلمه. يقول تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” (الحجر: ٩)، وحفظ القرآن استمراره كما قاله الله، ومنع المساس به أو تحريفه، أو إضاعته إلى يوم القيامة، وليس تخزينه في أدمغ الناس والإغلاق عليه بالأقفال!
لقد رزق الله الناس بتقنيات الحفظ، حتى أن من يريد أن يتذكر آيه لم يكلفه هذا إلا أن يخرج هاتفه، ويضغط زرا ليقرأ ما يريد! فلم يعد الحفظ في الرأس واجبا مع إنعام الله بآليات الحفظ!
إن الله سبحانه لم يُنزل قرآنه لمجرد التلاوة أو الحفظ، وإنما للتعلم والتعليم، يقول تعالى: “الرحمن علم القرآن” (الرحمن: ٢)، ويقول تعالى: “وإذ علمتك الكتاب والحكم والتوراة والإنجيل” (المائدة: ١١٠) ويقول تعالى: “وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم” (النساء: ١١)، ويقول تعالى: “إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى” (النجم: ٥)، ويقول تعالى: “يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة” (البقرة: ١٥١)، ويقول تعالى: “ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل” (آل عمران: ٤٨)، ويقول تعالى: “ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون” (البقرة: ١٥١)، ويقول تعالى: “فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون” (البقرة: ٢٣٩).
من هنا فإن القرآنَ عِلمٌ، من الضروري للمسلم أن يتعلمه، بل فرض الله سبحانه على رسوله أن يعلمه للناس، يقول تعالى: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون” (النحل: ٤٤)، ويقول تعالى: “تُعلمونَهُن مما علمكم الله” (المائدة: ٤)، من هنا فرضت إطاعة الرسول الكريم، وأصبحت السنة النبوية استكمالا لعلم القرآن، وشرحا وتوضيحا له، (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لا تضلون بعدي أبدا كتاب الله وسنتي)، ومن ثم وجب على من يقرأ القرآن أن يسأل أهل علم القرآن ما لا يعلمه منه، يقول تعالى: “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” (النحل: ٤٣) و(الأنبياء: ٧).
ومدح سبحانه الذين يسألون ويتحرون العلم، يقول تعالى: “والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا” (الفرقان: ٧٣)، كما مدح من تعلّم وأدرك، يقول تعالى: “وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” (العنكبوت: ٤٣)، بل جعل لهم مقاما وخلقا، يقول تعالى: “إنما يخشي اللهَ من عباده العلماءُ” (فاطر: ٢٨)، ويقول تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” (الزمر: ٣٩)، ويقول تعالى: “تبصرة وذكرى لكل عبد منيب” (ق: ٨).
لا حجة أو تبرير بضعف البيان أو ضعف الثقافة أو الأمية، فتعلّم القرآن فريضة على كل مسلم، “خلق الإنسان علمه البيان” (الرحمن: ٤)، وتعليمه فريضة على من اجتهد فيه، “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم” (التوبة: ١٢٢). صلاح حال المسلمين في تعلم القرآن وليس مجرد تلاوته أو حفظه، وتقدمهم رهن بعلم القرآن.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد