انحسار الرؤية العلمية واستغلال الظروف
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
إن تدني المستوى العلمي والاستغلال الاقتصادي في ظروف سوء الأحوال، سببه الرئيسي عدم وجود رؤية مستقبلية تتطور بتطور الواقع، وتتعامل مع المستجدات، وتواجه كل الظروف، وتنأى عن التقليدية والنقل بلا وعي.
أخشى أن مشكلتنا تقترب من مشكلة فرعون مصر في عهد النبي موسى عليه السلام ومستشاريه الذين نزل عليهم أشد العقاب من يمين الغرق إلى يسار النار، حيث كانت مشكلتهم هي عدم وجود رؤية بهذا المعيار، فقد تربي موسى بينهم، لكنه عندما قدم إليهم رسولا، قال له فرعون: (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين).
كانت رؤية فرعون لموسي قاصرة لأنها لم ترقب التحول الذي حدث في حياة موسى سواء أثناء وجوده بين آل فرعون أو عندما خرج عنهم، معتبرا موسى جاحدا لفضل آل فرعون، في حين أنهم استهدفوا الكثير من تربيته، ولكنهم لم يستثمروه، كما أنهم لم يناقشوا ما جاء به بعد الغربة مناقشة منطقية من خلال رؤية، وهو ما ظهر في استخفافه برب العالمين عندما قال لوزيره هامان: (أوقد لي يا هامان على الطين)، وهو يريد بناء صرح يطلع منه على رب العالمين، وهو لا يمكن أن يعلو كثيرا عن الأرض، في حين أن الفراعنة كانوا يستخدمون الصخر في بناء الأهرامات والمقابر، كما افتقد الرؤية في تحدي الجديد الذي جاء به موسى بأمر تقليدي غير علمي وهو السحر، وترتب عليه عدم تقديره إمكانية أن ينتصر موسى على السحرة، وكذلك في رجائه من موسى أن يدعو ربه ليرفع عنه بلاء الآيات الأخرى، ثم نقضه العهد عند الاستجابة لرجائه، حيث لم تكن له رؤية تقدر رد فعل من نقض العهد معه، وهو الذي انتصر بآليته على آليات السحر.
السؤال الآن: كيف نكتسب رؤية مستقبلية؟ علينا أن نستحضر آلياتها، وقد حددها الله سبحانه في آخر ثلاث سور من القرآن الكريم، أولها الإيمان بانفراد الله بالوحدانية والكفاءة (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.) ثانيها التحصن من الشرور (قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، ومن شرغاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد.) وثالثها عدم اتباع الوسوسة والبعد عن مصادرها (قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس.)
إن الهمز واللمز هو ناتج عدم وجود رؤية، وقد جعل الله سبحانه له عذابا أليما، يستهدف القلب من الإنسان، والذي هو آلية الرؤية المستقبلية الصحيحة، بغض النظر عن فاعله: (ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالا وعدده، يحسب أن ماله أخلده، كلا لينبذن في الحطمة، وما أدراك ما الحطمة، نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة، في عمد ممددة). صدق الله العظيم.