عمالة الأطفال.. مخاطر متحركة
بقلم/ د. نجلاء الورداني
ثمة عوامل وأسباب عديدة تدفع بالأطفال إلى العمل بدل من التعلم والذهاب إلى المدرسة.
فالبلدان التي لا توفر تعليما أساسيا مجانيا ولا تتيح لأطفالها الحصول على هذا النوع من التعليم وخاصة الأسر الكادحة والمهمشة، وحتى وإن توفرت مؤسسات تعليمية فتكون خدماتها رديئة ومحتواها التعليمي غير ملائم لروح العصر ومتطلباته المتغيرة، إضافة إلى تكلفته المرتفعة، فيشعر الآباء بعدم جدواه وأهميته.
من هنا يتم دفع الأطفال إلى سوق العمل منذ نعومة أظافرهم سعيا لمجال يحققون فيه ذواتهم ويضمنون من خلاله تحقيق عائد اقتصادي يساعد الأسرة والطفل معا.
وقد يكون هذا الوضع أكثر وضوحا لدى الأطفال الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية تعاني الإقصاء والحرمان الثقافي والاجتماعي، مما يفضي إلى جعلهم فرائس سهلة لأشكال الاستغلال كافة. وبخاصة في مجال عمالة الأطفال.
والفقر هو أحد أهم الأسباب القهرية التي تكمن خلف ظاهرة عمالة الأطفال، والأسر الفقيرة تحتاج إلى المال ويسهم الأطفال فيها بنسبة تتراوح من ٢٠ إلى ٥٠ في المائة من حجم الدخل الأسري وبالتالي يسهمون في توفير متطلباتها الأساسية والمعيشية.
ومع ذلك لا نستطيع الجزم بأن الفقر يؤدي حتما إلى عمالة الأطفال، فالصورة قد تختلف تماما لدى عدد من الأسر الفقيرة يكون التعليم في نظرها هو المخرج من البطالة والفقر والدافع إلى الحراك الاجتماعي.
ورغم وجود مناطق فقيرة كثيرة من العالم تمارس فيها عمالة الأطفال نظرا لانخفاض تكلفتها مقارنة بأنماط العمالة الأخرى، إلا أن بلدانًا أخرى فقيرة تمنع عمالة الأطفال، فمثلا في ولاية كيرالا الهندية رغم ما تعانيه من ضنك وعوز مادي، فإنها تحارب عمل الأطفال وتشجعهم على تحقيق مستوى تعليمي مرتفع يعود بالنفع عليهم وعلى أسرهم.
وفي بعض المناطق تقضي التقاليد والأعراف الاجتماعية الصارمة أن يمشي الأبناء على درب آبائهم، فإذا كانت الأسرة تمارس عملا خطرا كدباغة الجلود مثلا، فمن المرجح أن يسلك الأبناء منذ الصغر هذا العمل وعندنا في مصر صناعة ودباغة الجلود تعتمد بدرجة كبيرة على عمالة الأطفال وتوريث المهنة من الآباء إلى الأبناء في مراحل مبكرة من أعمارهم.
وأيضا في الصناعات التي يكون فيها الأجر مقترنا بعدد من القطع المنتجة أو المصنعة، فإن الأطفال مجبورون على العمل ومساعدة أسرهم.. تجد ذلك شائعا في أعمال البناء والعمل داخل المنازل، وصناعات بير السلم.
وعليه، فظاهرة تشغيل القاصرين في ظروف خطرة آفة تنتشر في أوساط الأسر الأكثر احتياجا، كالأسر التي تحصل على دخول متدنية لا تمكنها من مواجهة الأمراض والظروف الحياتية المتغيرة، أو الأسر التي تعاني أشكال التفكك العائلي من أهمها الطلاق والترمل والهجر، والأسر الغارمة التي تعاني من تراكم ديونها دون بادرة أمل في السداد.
كل هذه أنماط أسرية قد تدفع في الغالب بأطفالها إلى العمل حتى وإن كانت أعمال خطرة تعرضهم للسخرة والاستغلال بأشكاله المتعددة.