الماريا والإنشاد الديني.. سحر المكان والزمان
بقلم/ د. إيمان عزمي
في مثل هذا الوقت من العام، وإن حالفني الحظ وكنت في الإسكندرية الماريا – قبل الأحداث العالمية الحالية لكورونا، فإنني أقصد قصدًا حفلات الإنشاد الديني لإحياء ذكرى هجرة الرسول الكريم ومديحه الذي تُبدع فيه الفرق الفنية والموسيقية لدار أوبرا الإسكندرية بمسرح سيد درويش؛ المسرح الذي كان يُطلق عليه في العشرينيات (تياترو محمد علي).
لو تعلم ما لطراز البناء في هذا المسرح وموقعه في أقدم وأشهر منطقة بالإسكندرية وهي (محطة الرمل) تحديدًا في شارع فؤاد، لقصدته كما أقصده قصدًا ولو كُنت في بلد آخر.
جلالة المكان تأخذك لعالم آخر تعيش فيه أزمنا على زمانك الذي أنت فيه، خاصة إن كانت حلقة ذِكر كما يحلو لي أن أسميها؛ وأقصد بها فرق الإنشاد الديني المصرية التي تفيض بعبق ليس له مثيل.
نفس جلالة حلقات الذِكر تتجلى حين تُقام في مسرح مركز الحرية للإبداع في الإسكندرية؛ الذي يقع في طريق الحرية أيضا بحي العطارين، كتبت من قبل عن حفل فرقة الدراويش الذي عشته فيه تحت عنوان (صاجات الدراويش!)، إيقاع ووقع الصاجات وقتها مع صوفيات الحلاج جعلني أوقن أنها لم تُصنع إلا لهذا الغرض (حلقات الذِكر).
ما يدعو للتدبر والتأمل هو من كان وراء إثراء هكذا صروح عظيمة بهيئتها الحالية بما فيها من عبق عتيق وعراقة راقية كدار أوبرا الإسكندرية (مسرح سيد درويش)، ومركز الإسكندرية للإبداع، وغيرها ثقافي وفني كثير في مدينة الإسكندرية. مركز الإبداع يخضع لإشراف وزارة الثقافة المصرية، وافتتحه رسميا وزير الثقافة المصري آنذاك (فاروق حسني) في 29 أكتوبر 2001م، وبحضور زوجة الرئيس السابق حسني مبارك (سوزان مبارك).
بعدها بأربعة أعوام تمت إعادة افتتاح دار أوبرا الإسكندرية عقب أعمال تطوير وصيانة استغرقت عاما ونصف لتتم وفقا لأسلوب بنائها وطرازها المتميز وبنيانها الذي يتربع في مدخله تمثال نوبار باشا (1825-1899م) كأول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديث؛
والذي شغل هذا المنصب ثلاث مرات على مدار حياته، وتزامل مع الأمير نابليون (الذي أصبح الإمبراطور نابليون الثالث فيما بعد) حين التحق بالمدرسة الابتدائية في مدينة جنيف السويسرية.
أعمال التطوير والصيانة كانت بقرار من وزير الثقافة وقتها (فاروق حسني) وأعاد افتتاحها بحضور الرئيس السابق نفسه هذه المرة (حسني مبارك) في 27 يناير 2004م.
القاسم المشترك بينهما هو وزير الثقافة آنذاك، الذي كان يُلقب بالوزير الفنان لا لفنه في رسم لوحاته الفنية الشهيرة وفنه التشكيلي فحسب؛
بل لحرصه وإنجازاته التي ظهرت ملحوظة على مستوى الدولة في الفن والثقافة والعلوم والآداب والآثار أثناء فترة وزارته، وعلى صعيده الشخصي أيضا حين قدم استقالته من الوزارة إثر حادث حريق مسرح قصر ثقافة بني سويف في العام 2005م مُعلنا مسؤوليته الأدبية عن الحادث.
استقالته وقتها قوبلت بالرفض من الرئيس السابق حسني مبارك.
لا تعجب بعد ذلك إن قلت لك أن وزير الثقافة المصري السابق (فاروق حسني) من مواليد مدينة الإسكندرية الماريا لعام 1938م، ودرس في جامعتها (جامعة الإسكندرية) ليحصل على بكالوريوس الفنون بقسم الديكور، وأنه كان مديرًا لقصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية، ونائبًا لمدير أكاديمية الفنون المصرية بالجيزة، ومديرًا للأكاديمية المصرية للفنون بروما في إيطاليا، وقائما بمهام وزير الإعلام في مصر، ثم وزيرا للثقافة على التوالي.
أذكر أن كثيرًا ممن عاصروا أحداث ترشيحه لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” عام 2009م كان يترقب بحماسة قومية الجولات الخمس لمراسم الترشيح مع منافسيه التسعة والتي انتهت بخسارته أمام وزيرة الخارجية البلغارية السابقة (إيرينا بوكوفا) في الجولة الأخيرة بفارق أربعة أصوات (31 صوتا مقابل 27)، فرنسا قدمت صوتها لفاروق في جولات الترشيح، وكان صوت أمريكا وألمانيا لإيرينا.
حاولت إحياء مثل هذه الحفلات التي هي حلقات الذِكر في عُرفي عبر الأثير؛ من خلال مزيج رقمي اصطنعته من ثلاث أناشيدٍ في مدح الرسول وحبه وإحياء ذكرى هِجرَتِهِ الكريمة.
ستجده في فيديو هذا المقال برؤية وإخراج جديد لكل من (طلع البدر علينا) بصوت المنشد الشاب المقدوني تركي الأصل (مسعود كُرتس) بمثيرات سمعية وبصرية شرقية وغربية، و(بي وَجْدٌ لا يدريه) بصوت منشد ديني لم أستدل عليه، و(نسيم الوصل هب على الندامى) بصوت المنشد الشاب المصري قليوبي المولد (علي الهلباوي).
ستجدها حلقة ذِكر وصلاة على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وجميع الأنبياء والمرسلين وعلينا معهم وسلم لمدة 4 دقائق … صلاة وذِكر طيب، وكل عام وأنتم بخير.
رابط الفيديو: