كتب: عبد الرحمن هاشم
صدر أول كتاب عن فيروس كورونا المستجد أو كوفيد-19 باللغة العربية عن دار المعارف (سلسلة اقرأ) للأستاذ الدكتور محمد فتحي فرج تحت عنوان: كيف نهزم فيروس كورونا؟ وكتب في مقدمته ما يلي:
جاء ذكر الإنسان في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: “خلق الإنسان . علمه البيان” الرحمن: 2ـ3. وقال تعالى: “اقرأ باسم ربك الذى خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذى علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم “. العلق: 1ـ5.
والواقع أن القدرة على التعلم نتيجة العقل المتطور الذى وهبه الله للإنسان وميزه به عن غيره من مخلوقاته ، هو الذى وضعه في الذروة بين هذه المخلوقات ، حتى إنه استطاع أن يتغلب على سائر المخلوقات الأخرى ويسخرها لمراداته.
ولكن فرق بين الاستعداد الذى يولد به الإنسان واستثمار هذا الاستعداد بالتعلم ، ولذا فقد ذكَّرنا ربنا جل وعلا في سورة العلق التي صدرنا بها هذه المقدمة أن من وسائل العلم والتعليم القلم ، فإن إعماله يحفظ الكثير مما يمكن أن تعيه الذاكرة لفترة محدودة ثم تنساه بعد ذلك ، ولذا فقد أمرنا ربنا بقوله: “ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا”. البقرة: من الآية 282. وبهذا ينمو العلم ويتقدم ، وبنموه وتراكمه عبر السنين يتقدم الإنسان وتتطور حياته وحضارته.
إذن فكلمة السر في قوة الإنسان ، وهيمنته على قوى الطبيعة المختلفة ، وسر سموه وهيمنته الكبرى على سائر خلق الله من جميع الحيوانات ، التي هي أقوى منه جسمانيا ، وأعظم منه حجما تكمن في العلم.
وقد أشار علماء النفس إلى أن ثمة صفات معينة تؤدى إلى شحذ طاقات الإنسان وتفوقه ونبوغه ، ومنها: عقل عالٍ تخدمه إرادة قوية وعزيمة لا تلين ، وتصور قوى ينبهه إحساس حاد(1) ، ولا بد أن يرفد كل هذا بنية قوية قادرة على تحمل كل تلك المهام والنهوض بها على أحسن وجه ممكن ، وينسجم هذا مع إدراكنا أن “العقل السليم في الجسم السليم”.
ومع هذا ، فإن كل إنسان به ملكات معينة وقوى محددة هي التي يمكن شحذها وتقويتها ، ولا يمكن أن تنحصر كل القوى والملكات في شخص ما ، وفى هذا الصدد يؤكد العقاد أن الملكات الإنسانية أكثر وأكبر من أن ينالها إنسان واحد ، ولكنها ينبغي أن تُنال ، فكيف يمكن أن تُنال؟ إنها تُنال بالتخصص والتوزيع ، ولا يتأتى هذا التخصص أو هذا التوزيع إذا سوينا بينها جميعا في التحصيل ، وألزمنا كل أحد أن تكون له أقساط منها جميعا على حد سواء .. على أن الملكات الجسدية ـ فضلا عن الملكات العقلية والروحية ـ قابلة للنمو والمضاعفة إلى الحد الذى لا يخطر لنا على بال ولا نصدقه إلا إذا شهدناه(2).
ولذا فهناك العالم الذى تخصص في مجال معين لا يتقنه سواه ، وهناك الطبيب الذى تمرس على عضو معين من أعضاء الجسم وتوفر على إجادة معرفته تشريحيا ووظيفيا ومن ثم معرفة أوجه الخلل والأمراض التي تنتابه وطرق العلاج المختلفة التي تناسبه ، وتصلح أعطابه.
وحينما نتأمل في صورتين من صور الحياة واحدة تتسنم أعلى ذروة الخلق ويمثلها الإنسان بمقوماته الروحية والعقلية والجسمية والآخر ـ وهو الفيروس ـ يقبع في القاعدة بل يقف على الأعراف بين حالة الحياة واللاحياة كما يتصوره كثير من العلماء حيث لا يستطيع أن يحيا ويتكاثر بمفرده ؛ ولكى يتم هذا لابد من أن يستعين بالخلايا الحية يلوذ بها لكى يستمد منها حياته ويعتمد عليها في تكاثره. ومن العجيب أن مقومات هذا المخلوق الوضيع تمكِّنه من أن يتحدى أشرف مخلوقات الله تعالى بل ويمكن أن يقضى عليه إذا فشل في التعامل معه عن طريق العلم الذى مكنه منه الخالق جل وعلا عن طريق ما حباه من عقل قادر على البحث والكشف عن المنهج العلاجي السديد الذى يمكنه من تحدى هذا الكائن والانتصار عليه بالعلم الذى علمه إياه ربه خالقه وخالق هذا الفيروس ، ولعله سباق يشحذ الملكات ويحفز على المزيد من البحث والدرس والتقدم في مجال العلوم الطبية والطبيعية.
ولهذا ، فبدلا من أن نلعن فيروس كرونا ينبغي أن نشكره على أنه ضاعف من حماسنا العلمي في مجال الكشف والطب والعلاج لكى نوقفه ونوقف أمثاله من الكائنات التي توقظ فينا ملكة الفكر وتستحث فينا طاقة التحدي والمجالدة ، وهذه هي الوسائل التي تبعث على التطور والتقدم ، وهى سنة الله في خلقه التي يمكننا أن نستشفها من قول الله تعالى حينما يسلط قوما على قوم حتى لا تفسد الأرض ساحة الجهاد والعناد والمقاومة والمكابدة في هذه الحياة وذلك في قوله تعالى: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين”. البقرة: من الآية 251.
والمناعة هي أداة الكائن في معركته في سبيل البقاء في الحياة ، وإذا أردنا أن ندلل على ذلك فلنا في مرض نقص المناعة المكتسبة ، الذى يعرف اختصارا بمرض الإيدز AIDS أوضحَ مثل. فهذا المرض ـ وقانا الله وإياكم منه ـ يُصيب الإنسان جَرَّاء نقص محدود في مناعته ، يفقِد على إثره القدرة على مقاومة مختلف أنواع مسببات الأمراض ، من بكتيرية أو فيروسية أو طُفيْلية ، حتى وإن كانت من النوع غير الخطير ، فتودى به إلى نهايته المحتومة ، وهى الموت.
ولهذا ، فإن هذا الكتاب سيشتمل على بعض الفصول التي تبرز أهمية جهاز المناعة في حراسة الجسم وإكسابه نوعا من الحصانة أو المناعة ضد مسببات الأمراض المختلفة من خلال آليات متنوعة ، وقد كرَّسنا الفصل الخامس لبيان كيفية حراسة أجهزة المناعة لأجسامنا. أما الفصل السادس فيدور حول المناعة ومسببات الأمراض. ثم عالجنا كيفية تنشيط جهاز المناعة في الفصل السابع من هذا الكتاب من خلال وصايا عامة.