الأزهر والكنيسة جناحا القوة الناعمة المصرية إفريقيا وعالميا
بقلم/ وليد أحمد وفيق
كاتب سياسي
لمصر باع طويل في أفريقيا عموما وفي إثيوبيا على وجه الخصوص من حيث التأثير الناعم متمثلا في مشروعات التنمية، وفي دعم الشعوب الأفريقية في مجالات التعليم والصحة والاستثمارات الاقتصادية.
كانت أثيوبيا تحظى بنصيب كبير من تلك المشروعات، وكان للجانب الديني جزء كبير من هذه المساهمات إذ ( الحبشة) هي أول من احتضن الهجرة الأولى للمسلمين المضطهدين في جزيرة العرب أيام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ورحب النجاشي الملك الحبشي النصراني العادل بهجرة المسلمين الأوائل، وفي العصر الحديث وتحديدا في مجال التعليم والدعوة برز دور الأزهر الشريف في أفريقيا وإثيوبيا، من خلال منح التعليم المجانية لأبناء الشعوب الأفريقية، وكان لإثيوبيا النصيب المشهود من هذه المنح.
وكذلك فعلت الكنيسة المصرية التي كانت ترسم المطران الإثيوبي في الإسكندرية بمصر، فكان للكنيسة وللأزهر ما يمكن أن يشكل قوة ناعمة لمصر في اثيوبيا والقارة السمراء.
ولقد ساهما لعقود خلت في توطيد العلاقات المصرية الأثيوبية، فضلا عن نشر التعاليم الدينية السمحة في ربوع اثيوبيا، وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود أكثر من 562 مبعوثا أزهريا موزعين على أكثر من 30 دولة أفريقية، من بينهم اثيوبيا لتلبية احتياجات القارة من حيث تخصصات العلوم الشرعية واللغة العربية، وبعض التخصصات الثقافية، كما أن لديه 16 معهدا في الدول الأفريقية.
بالإضافة إلى ذلك يوجد نحو أكثر من 8 آلاف وافد أفريقي يدرسون في الأزهر بالقاهرة، منهم 2437 يدرسون بمنح دراسية على حساب الأزهر، فيما وصل عدد الوافدين من غير متلقي هذه المنح إلى 6500 طالب.
أي أن جهود الأزهر الشريف لا تقتصر فقط على نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة واللغة العربية، بل إن دورا ثقافيا وتنويريا وعلميا أهله ليكتسب لقب قوة مصر الناعمة في أفريقيا والعالم.
وهو يقوم بواجبه تجاه القارة الأفريقية منذ عقود، بما فيها إرسال القوافل الطبية والإغاثية وبرامج تدريب الأئمة الأفارقة على مواجهة الفكر المتطرف والتحديات المختلفة التي تعيشها مجتمعاتهم، حيث تسعى الدول الأفريقية للاستفادة من الخبرة المصرية في شتى المجالات ومن بينها الدينية.
كما قامت جامعة الأزهر بإنشاء قسم اللغات الأفريقية لتدريس اللغات الأفريقية الأكثر انتشارا في القارة بهدف التواصل مع المجتمعات الأفريقية.
ومع تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي،عام 2019، أكد الأزهر استمراره في دعم التحركات المصرية في قارة أفريقيا وإثيوبيا من خلال مبعوثيه المنتشرين في مختلف دولها، وقوافله الدعوية والطبية وتدريب الأئمة على التصدي للأفكار المتطرفة وتزويدهم بالمنهج الأزهري الوسطي.
وقرر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تشكيل لجنة مختصة بالشؤون الأفريقية بالأزهر، تختص بالعمل على وضع البرامج والخطط والأنشطة التي من شأنها، تدعيم أبناء دول وشعوب القارة الأفريقية، من خلال زيادة عدد المنح المقدمة للطلاب الدارسين، وزيادة أعداد المبعوثين، وتكثيف البرامج التدريبية لتأهيل الأئمة والوعاظ بها، بالتوازي مع القوافل الدعوية والطبية التي يرسلها الأزهر، وترتيب زيارات خارجية عدة لشيخ الأزهر لغرب أفريقيا.
إن الأزهر يمثل أبرز وأهم أدوات التعاطي الثقافي المصري مع القارة الأفريقية، سواء على مستوى التعليم الجامعي أو على مستوى الدراسات العليا، فضلًا عن إيفاد العديد من العلماء للبلدان الإفريقية للعمل كدعاة والتدريس في المراكز العلمية الدينية بها.
نفس الأمر ينطبق على الدور الذي تلعبه الكنيسة القبطية المصرية داخل القارة السمراء وإثيوبيا على وجه الخصوص، باعتبارها إحدى أهم قنوات التواصل الثقافية المصرية تجاه أفريقيا، في تأكيد على الروابط التاريخية التي تجمع بين الكنيسة المصرية ونظيرتها في كل من السودان وأثيوبيا، علاوة على دورها التاريخي في ربوع القارة عبر قرون عدة منذ دخول المسيحية إلى مصر.
وتمتلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية علاقات متجذرة مع أفريقيا ترجع للقرون المسيحية الأولى، فهي القائدة لكنائس إثيوبيا وإريتريا والسودان.
ووفقا لدراسة نشرها الدكتور جوزيف رامز أمين، الأستاذ بمعهد الدراسات الأفريقية بالقاهرة، تحت عنوان “الكنيسة القبطية والعلاقات العربية الأفريقية”، فإن أبعاد دور الكنيسة القبطية في أفريقيا، “تتعدد ما بين الدور الســياسي والاجتمـاعي التنموي، فضـلا عن الدور الديني والتعليمي، وعبر كل دور من هذه الأدوار تنطلق محاور تأثير الكنيسة القبطية في أكثر من اتجاه بالقارة، سواء صوب مقاومة الاستعمار بكل أشكاله وبعث القومية الأفريقية، أو مكافحة الرق والتفرقة العنصرية”.
“ساعد الكنيسة على أداء دورها في أفريقيا خبرتها في إقرار السلام بين مصر وجيرانها الأفارقة، بجانب وجود بعض القيادات القبطية التاريخية صاحبة الدور البارز في إفريقيا مثل البابا كيرلس الرابع وكذلك البابا كيرلس السادس ودوره إلى جانب دور الكنيسة القبطية في مواجهة الاحتلال الإيطالي لإثيوبيا، والاستعمار البريطاني في السودان” إضافة إلى الأدوار التي ساهم بها كلا من البابا شنودة والبابا تواضروس على التوالي في تحقيق وارساء السلام في القارة.
والكنيسـة القبطيـة المصرية تتميز بكونها كنيسة وطنية، تمتلك الفكر الذي يتلاءم مع الفكر الأفريقي، خاصة في النواحي اللاهوتية، كما يتطابق فكرها التبشيري أيضاً مع ظروف القارة الإفريقية ومقتضيـات العمل بها، وهي تعمل على تعليم أبناء القـارة، وإعدادهم دينياً واجتماعياً ومهنيـاً.
ووفقا للمؤرخين، فقد بدأ الاهتمام المصري الديني بأفريقيا منذ القدم، فقد سعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى تعظيم الاستفادة من الدور الذي يلعبه الأزهر والكنيسة لتحقيق التقارب مع أفريقيا، فعمل على إيفاد البعثات الأزهرية لقلب القارة، واستقبال الطلاب الأفارقة، كما حرص خلال افتتاح الكاتدرائية المرقسية بوسط القاهرة عام 1968، على دعوة إمبراطور أثيوبيا هيلاسلاسى.
وترى القيادة السياسية المصرية إن الأزهر والكنيسة مؤسسات دينية لها عمق تاريخي وصدى كبير وحضور دائم في القارة الأفريقية، ساهم بشكل كبير في توطيد العلاقات المصرية الأفريقية، والأثيوبية وترى أن معظم الدول الإفريقية في حاجة ماسة لنشر مبادئ التسامح ومحاربة الأفكار المتطرفة، وهنا يأتي دور مصر التي تعد مرجعا مهما لدول القارة الأفريقية في معظم المجالات سواء التعليمية أو الصحية أو الثقافية أو الاجتماعية والاقتصادية أو الدينية. وهذه المساهمات المصرية هى بمثابة القوة الناعمة لمصر لتوطيد العلاقات مع دول القارة السمراء وعلى رأسها إثيوبيا.