مذاغ : يونس الناصري
انطلقت المحاضرات واللقاءات العلمية التى تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال، فى إطار الإعتكاف الصيفي لشهر أغسطس 2020، ويتم بثها افتراضيا باستعمال وسائل التواصل الحديثة انسجاما مع التدابير الاحترازية التى فرضتها جائحة كورونا.
تناول الكلمة فى الدرس الأول الدكتور سعيد بيهي، رئيس المجلس العلمي لعمالة الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء، وأستاذ التعليم العالي بكلية الأداب عين الشق بالمدينة ذاتها، حول موضوع “العلوم الشرعية، المفهوم والمنهج”، وأوضح فى مستهل محاضرته أن المراد من هذه الدروس هو تقريب المعرفة الشرعية فى السياقات المعاصرة تحقيقا للبصيرة العلمية المطلوبة، وبلوغ الرشد المطلوب للتعاطي الصحيح مع العلوم الشرعية.
وأرجع الفوضى العلمية المنتشرة فى عصرنا الحالي إلى الإخلال بهذه البصيرة، موضحا أن هذه البصيرة تنشأ عن معرفة مقدمات ضرورية قبل الخوض فى أي علم شرعي، من أجل تجنب العوارض التى تعيق التعامل السليم مع العلوم الشرعية، وتتجلى هذه العوارض حسب الأستاذ المحاضر فى الجهالة والعبث، وأوضح أن الجهالة تنقسم إلى جهالة محضة وجهالة عرفية؛ فالجهالة المحضة تتمثل فى أن صاحبها لا يعرف العلم من أي جهة من جهاته، أما الجهالة العرفية ففسرها بعدم معرفة ماجرى به عرف ذوي الإختصاص.
وأبرز الدكتور بيهي، المبادئ العشرة الضرورية التى يكتمل بها تصور أي علم من العلوم الشرعية، وتتمثل فى الحد والموضوع والثمرة والنسبة والفضل والواضع والإسم والإستمداد وحكم الشارع، وبين المقصود بالعلوم الشرعية، وذكر معناها العام المتمثل فى “ما شرع الشارع تحصيله من العلوم النافعة”، أما المعنى الخاص فهو المعنى العرفي “الذي يعلم بواسطة الشارع من القضايا التى جاء بها”.
وأضاف أن الشرع كتاب وسنة، قامت حوله علوم العقيدة والتزكية والفقه، مؤكدا أن الرسالة النبوية تشتمل على التذكير والتزكية والتعليم، مستدلا بقوله تعالى “هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”.
وتطرق الدكتور عبد السلام الغرميني أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، فى المحاضرة الثانية، إلى موضوع “مواصفات من طريق اليقين”، أكد فيه أن الحق سبحانه وتعالى هو مطلوب أهل الإيمان والإيقان، موضحا أن أهل الإيمان منشغلون بذات الحق سبحانه وتعالى بدءاً باعتقاد التوحيد وصولا إلى تلمس آثار وجود الحق سبحانه فى حياتهم، وأضاف أنه يمكن تسمية دائرة أهل المعنى بطريق اليقين أو طريق الروح، فالإنسان بقلبه وبمعناه يبحث عن الحق سبحانه وتعالى.
وذكر الغرميني مواصفات الإنسان الذى يسلك طريق اليقين، فهو لا يقتصر على الماديات بل يبحث عن ما ورائها، ويهتم بالمعاني، والبحث عن المعنى من وراء كل شيء هو سمة من سمات أهل الإيمان الراسخ، فهم لا يقتصرون على الظواهر بل يتجاوزونها إلى ما ورائها.
ونبه إلى أن الحق سبحانه وتعالى ليس شيء يلمس بالماديات لكن حكمته وقدرته يمكن أن يتفهمها العبد وأن يتذق نسيمها كلما ازداد قربا ورسوخا فى طريق أهل اليقين.
وتدخل فى الدرس الثالث الدكتور محمد مشان أستاذ كرسي الحديث، ورئيس المجلس العلمي الفداء مرس السلطان بالدارالبيضاء، حول موضوع “فقه السنة ومنهجية التعامل مع الحديث النبوي الشريف”، وتحدث فى محاضرته عن أهلية المتكلم فى علوم الشريعة، وأضاف أن التعامل مع الحديث النبوي الشريف يقتضي التأكد من سلامة النص و حسن فهمه ثم حسن تنزيله وحسن الدعوة إليه، ونبه الأستاذ المحاضر فى إلى أن علوم الشريعة ومن بينها الحديث والسنة النبوية تحتاج إلى علم ورصيد معرفي وإلى آليات وخبراء ليتكلموا فيها، وأبرز ضرورة التأكد من سلامة الحديث وتمييز الصحيح من الضعيف والموضوع والمكذوب، موضحا قواعد وضوابط الحديث الصحيح، التى تتمثل فى اتصال السند وعدالة وضبط الرواة وانتفاء الشذوذ والعلة.
وأكد أن حسن فهم الحديث يتطلب فهم مدلولات مفردات الحديث، وفهمه فى ضوء القرآن الكريم، وجمع الآحاديث الواردة فى الموضوع الواحد، ومعرفة اسباب وروده، والتمييز بين أنواع تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرها من الإعتبارات، وأضاف أن حسن تنزيل النص الحديثي وربطه بواقع الناس يحتاج إلى دراية بمقاصد الشريعة ومعرفة واقع الناس، وفى الأخير أكد على أهمية حسن الدعوة إلى السنة النبوية، من خلال الأمر بالمعروف بالمعروف، والنهي عن المنكر بلا منكر، واللطف والرحمة بالناس، واعتماد التيسير والتبشير.
وكانت المحاضرة الرابعة للدكتور عبد الله غاني، أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا بفاس، حول موضوع: “كورونا والشعور بالكينونة”، لفت فيها الإنتباه إلى وجود نعمة فى طي كل نقمة، مبرزا بعضا من نعم وباء كورونا، كخلخلة البراديغمات، والدراسات والأبحاث والتجارب الميكروبيولوجية، والدراسات والأبحاث الصيدلانية، والإيكولوجية، والسوسيولوجية والسيكلوجية والسوسيو اقتصادية، إضافة إلى الانتاجات الأديبة الغزيرة الناتجة عن الجائحة من شعر ونثر وقصة، ورواية وأفلام طويلة وقصيرة وبرامج إذاعية وتلفزيونية ونكت وطرائف بمختلف لغات العالم.