بقلم/ عبد الحميد القائد
سنرجع يومًا إلى حيّنَا
ونغرقُ فى دافئاتِ المنى
سنرجعُ مهما يمرُّ الزمان
وتنأى المسافاتُ ما بيننا
لكن الشاعر مات بعيدًا عن وطنه.. انتظر وانتظر ثم غادر محبطًا ولم يرجع إلى الحي الذي لم يتوقف حنينه إليه حتى آخر لحظة.. رحلَ شيخ شعراء فلسطين هارون هاشم رشيد فى كندا حديثًا، وودعته فلسطين بأكملها وهو بعيد عن مضارب الوطن حالمًا بوطنه السليب المحتل من قبل أشرس وأقسى الغزاة. موت الشاعر ليس مثل أي موت. موت الشاعر مغادرة للجسد فقط وتبقى كلماته تعانق الفضاء والقلوب، خاصةً إذا كان شاعرًا مقاومًا فلسطينيًا مثل هارون هاشم رشيد. هو شاعر من غزة ولم تسمح له السلطات الإسرائيلية بالعودة فكانت عائلته تضطر إلى لقائه فى عواصم مختلفة مثل القاهرة وتونس. العدو يدرك معنى الحرف وماذا يمكن أن يفعله الشعر المقاوم أكثر من القنبلة.
كان شاعرًا مقاومًا، كرّس معظم أشعاره للقضية.. لفلسطين الحب وكان يكتب شعرًا عموديًا بسيطًا بنظام الشطرين لكنه تملّك قلوب الكثيرين بأشعاره لأنها اشعار ملتزمة بقضية شعب ووطن. وأصدر نحو عشرين ديوانا ورواية واحدة إضافة إلى بعض الدراسات.
كان يكنّى بالعديد من الألقاب مثل «شاعر العودة»، «شاعر الثورة»، و«المؤرخ الشعري للقضية الفلسطينية» وكان من كبار شعراء الخمسينيات قبل أن تبزغ شمس الشعراء الشباب مثل محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد وغيرهم الذين سيطروا على الساحة الشعرية الفلسطينية. أجمل من غنت قصائده فيروز «الغرباء» و«سنرجع يومًا إلى حيّنَا» وظلت الأغنية الأخيرة خالدة حتى يومنا هذا. كما تغنّى بأشعاره بعض من كبار الفنانين العرب مثل محمد فوزي، كارم محمود، محمد قنديل، محمد عبده وطلال مداح. كتب المرحوم بعض المسرحيات الشعرية مثل «السؤال» بطولة كرم مطاوع وسهير المرشدي و«سقوط بارليف» التى قدمت على المسرح القومي بالقاهرة عام 1974 إضافة للعديد من المسلسلات والسباعيات التي كتبها لإذاعة صوت العرب وعدد من الإذاعات العربية.
الغريب أو ربما الصحيح – والله أعلم – أن مؤلف قصيدة «سنرجع يومًا» هما الأخوان رحباني حسبما نشره الصحفي فارس يواكيم فى مجلة العربي الجديد. ويقول بأنه تأكد من هذا الموضوع بالاتصال بمؤسسة «ساسيم» وهى الجمعية التى تُعنى بحقوق مؤلفي وملحني ومنتجي الموسيقى والأغاني، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس. يقول: سألتهم: «أغنية (سنرجع يومًا) مسجّلة باسم من؟ وبالتالي من يتسلم العائدات؟ وكان الجواب: الأخوان رحباني. ويضيف: كررت السؤال لوكيل «جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى» فى لبنان، المحامي سمير ثابت، فقال «إن الأغنية مسجلة باسم الأخوين رحباني، وعائداتها لهما». أيًا كان كاتبها فإن هذه القصيدة ظلت سامقة وخالدة .