هؤلاء علموني
د. مصطفى رجب
لم أدرس درسا نظاميا على يدي شيخنا الأجل المرحوم الدكتور عبد الفتاح جلال مؤسس وعميد معهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة [ كلية الآن ] ولكنه كان عضوا في اللجنة الثلاثية التي قرأت نتاجي الذي تقدمت به للترقية أستاذا مساعدا سنة 1989 ، ثم تصادف أن قرأ لي مرة ثانية عند التقدم لدرجة أستاذ 1993 مع أستاذينا الجليلين : د. سعد مرسي أحمد ، د. سعيد اسماعيل علي وقد رُقِّيت أنذاك ولله الحمد بتقديرات فائقة .
كنت مفتونا بكتابات أساتذة تربويين قلائل منهم د. عبد الفتاح جلال ، ود. حسين سليمان قورة ود. ابراهيم الشافعي ود. محمد قدري لطفي رحمهم الله جميعا لأن درجتهم الجامعية الأولى كانت في اللغة العربية من دار العلوم أو الآداب ، وكنت أحب إلى جانبهم كتابات د. سعيد اسماعيل علي وهو خريج آداب القاهرة قسم الفلسفة فكأنه درعمي بالمجاورة والتميز ، وكانت أساليب هؤلاء جميعا متفردة ومتميزة جدا من أساليب جيل غيرهم من شيوخنا كانوا يترجمون ويؤلفون فلا أستطيع التفرقة بين أسلوبهم في الحالين .
في مرضه الأخير ، هاتفني أستاذنا د. جلال رحمه الله وقال : يا مصطفى أنا محجوز بمستشفى قصر العيني /الفرنساوي في الحالات الحرجة ، وعندي رسالة دكتوراة ورسالة ماجستير أريد أن تناقشهما معي في المستشفى فأنا أشعر بدنو الأجل الشديد ، وأخشى أن أطلب من غيرك المشاركة في المناقشة فيطيل أمد فحص الرسالتين فأموت ويتشرد الباحثان وأحدهما قطري والثاني مصري .
فقلت له : أمرك مطاع يا سيدنا من قبل أن تتفوه به . وهرعت من الصعيد للقاهرة وقرأت الرسالتين في يومين وليلتين متصلتين . وشاركني في مناقشة الماجستير الزميل العزيز أ.د. سمير بركات الذي يظهر في الصورة بجوار أستاذنا عبد الفتاح جلال رحمه الله .
وتشرفت في المناقشة الثانية بمجاورة أعظم من درست على يديه بجامعة أسيوط شيخنا الدكتور / ابراهيم الشافعي رحمه الله .
تمت المناقشة – وسيدنا جلال بين الإفاقة والغيبوبة – حتى انتهت ، وقرأ رحمه الله قرار اللجنة وبدا على وجهه الرضا وتجلى في قسماته النبل النادر ، وبعدها بثلاثة أيام فقط أسلم أستاذنا روحه راضيا مرضيا .
وقد عايشت شيخنا من خلال عملي معه في لجنة القطاع ولمست عن قرب معاناته نحو ست سنوات مما حيك له من مؤامرات وما حورب به من أسلحة خسيسة – حتى لا يكون وزيرا للتعليم وهي الوظيفة التي رشح لها بالفعل عدة مرات – فكان في كل أحواله طودا أشم وجبلا راسخا .
وكان هذا الموقف الإنساني النادر هو آخر درس تعلمته منه !!!
فاللهم اغفر له كفاء ما تعلمنا من كتابته ومواقفه وألحقنا به في الصالحين .