رسالة الهند – د. منى بركات
نظمت أكاديمية التميز بالهند ندوة أدبية عبر الانترنت بعنوان “حياة الفلسطينيين بعد النكبة كما انعكست في رواية الست زبيدة للكاتبة الفلسطينية نوال حلاوة”، قدمها محي الدين كوتي كالارا، بحضور مؤلفة الرواية، وبمشاركة كل من: د. صابر نواس محمد مدير أكاديمية التميز بالهند، البروفيسور عبد الله محمد السلمي، د. محمد رافع زين الدين أستاذ بقسم اللغة العربية بكلية أنصار العربية بكيرلا، د. محمد شميم النظامي أستاذ مساعدة بقسم اللغة العربية بجامعة باردوان بالبنغال العربية، د. عباس كي.بي أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية بكلية الفاروق، بكاليكوت، محمد شمير الندوي رئيس قسم البحوث لأكاديمية التميز، د. شبير بن علي الباحث بجامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، حيدراباد، د. عبد الوهاب محي الدين مدرس اللغة العربية بالمدرسة الحكومية بكاساركود، علي جعفر رئيس قسم اللغة العربية بكلية أمل بكيرلا، د. محمد عابد أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية بكلية الفاروق، بكاليكوت، محمد فواز مصطفى ( باحث كلية الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي.
وجاء في التحليل النقدي للرواية ما كتبه “محي الدين الكوني” ما يلي:
كثيرون يكتبون الرواية، لكن القلّة منهم من يتقنها، فالرواية بحاجة إلى لغة وأحداث وشخصيات ومكان وطريقة تقديم، نوال حلاوة من الذين استطاعوا أن يقدموا لنا الرواية بشكل راق ومتميز، فقد استطاعت أن توظف طاقتَها الإبداعية في هذه الرواية،
نحن أمام رواية سيرة ذاتية، قدمت فيها الكاتبة المراحل المفصلية التي مرّت بها، فتحدثت عن الهجرة عام 1948، وقد استطاعت أن تصف لنا المكان بتفاصيله، وأيضًا علاقتها الحميمة به، كما أن الزمان يمكننا أن نحدده من خلال مجرى أحداث الرواية، ونجد شخصيات الرواية تنتمي لشرائح اجتماعية متباينة، وكأنها ترسم لنا صورة واقعية عن المجتمع الفلسطيني، ونجد حضور المرأة بشكل لافت، حتى أنها كانت أقوى من الرجل وأكثر فاعلية وحضورًا منه
عنوان الرواية يشير إلى علم تاريخي له أثره وحضوره في التاريخ العباسي، “فالست زبيدة” هي زوجة هارون الرشيد، وقد وظّفتها الكاتبة بطريقة جميلة، وكأنها بهذا الإسم أرادت أن تشير إلى مكانتها وحضورها في مجتمعها كما كانت “زبيدة” في عصرها.
بين الصفحة الأولى والأخيرة أربعة عشر فصلاً في ثلاثمئة وثمانية وسبعين صفحة من السرد الروائي.
1. الست زبيدة
2. مسقط الرأس يافا
3. شاطئ العجمي
4. أمي أولى الحكايات
5. أقاربي
6. أبي آخر الحكايات
7. حي النزهة
8. المواسم الشعبية
9. النكبة
الفصل الأول تحملنا عبر صفحاته لمعرفة سبب تسميتها بالست زبيدة فتلج بنا العصر العباسي في عهد هارون الرشيد وزوجته الست زبيدة فنرى عرضًا لحياة الترف والثراء وازدهار الأدب والفن والثقافة في تلك الحقبة من خلال حلم راود والدها ليلة مولدها فكان بمثابة بشارة لقدومها والاسم هدية من رب العالمين.
تتضمن هذه الصفحات بحثًا في معنى الاسم في اللغة العربية وتاريخه .الفصول من الثاني حتى التاسع تمثل وضعية البداية للرواية ونقطة الانطلاق وتعتبر طويلة نسبيًا كبداية من السكون والهدوء .
مولد الست زبيدة وطفولتها الحالمة الهانئة مراتع اللعب، قصص وحكايات وسرد متصل تجعل القارئ يعيش فيه اللحظة الواحدة أضعافًا من اللحظات. تصور في هذه الفصول مشاهد من حياة والدها وكفاحه ونجاحه، وتستعرض كل مظاهر الحياة الاجتماعية والأسرية بكل تفاصيلها ومظاهر الحياة الاقتصادية والثقافية .
ترسم بالكلمة صور من الطفولة والمناسبات الدينية والمواسم الشعبية فتتحدث عن ليالي رمضان والأعياد وخروف العيد، وزينتها وثوبها، والأغاني الشعبية في ذلك الزمن (ما قبل النكبة)،طقوس وعادات اجتماعية لكل فصول السنة . ، موشحات الفرح والمرح وأهازيج المتعة واللهو، والنكات والأمثال الشعبية…نهاية البداية.
الفصل العاشر.
10. الحياة بعد النكبة
مرحلة الوسط وظهور العنصر المخل disgraceful في الرواية حيث يبدأ القلق والتوتر والحديث عن وعد بلفور ومساعدة الإنجليز للعصابات الصهيونية للتمكن في فلسطين ومساعدة الانتداب تأمين وصول اليهود وتقويتهم .يزداد التوتر بالهجوم على يافا والمواجهات بين الأهالي وعصابات الهجمات الصهيونية، ويصل التوتر ذروته بانضمام والد الست زبيدة إلى مقاتلي النجادة للدفاع عن يافا، تتعقد الأمور بقرار الرحيل وتبدأ الكاتبة بحشد جيوش الألم والمعاناة في سطور من البوح تفوح منها رائحة النكبة طازجة كأنها خرجت للتو من فرن المأساة: “كانت أمي تغمض عيوننا بأيدينا من منظر رأس مقطوع والدم ينزف على الأرض، كنا نرتجف من الرعب من منظر الدم ولم تتوقف دموع أمي طوال الرحلة التي لا أدري كم طالت ص180 .
11. حواديت(Tales )الست زبيدة
12. أمي صديقتي
13. عذاب الروح
تتابع فصول ما بعد النكبة في رحلة الشتات والتهجير ويصل خبر استشهاد والد الست زبيدة إلى العائلة أثناء نقله لمتاعه وأمواله من يافا المنكوبة إلى مدينة نابلس مسقط رأس الأب وحيث أقاربه، يتبين لاحقًا أن والد الست زبيدة لا يزال على قيد الحياه ويعود إلى عائلته يروي لهم ما رآه من جرائم الصهيونية وتخاذل عربي في الدفاع عن مدينة يافا ص188 .يتغير الزمان والمكان تقسم البلاد ص195، وتتبدل الهوية ويصبح الفلسطيني لاجئًا ص203، فقد أرضه ومصدر رزقه ينتظر كرت التموين ص207، خراب طال الحياة الاجتماعية والاقتصادية تعرضه الكاتبة باستفاضة كما استفاضت بالنعيم المفقود في الفصول الأولى.
14. العودة الى يافا
يصل القارئ إلى النهاية حيث لا نهاية إلا فيض من الذكريات وترتيبها ولملمة الشمل حيث يذوب الفلسطيني ويندمج محتفظًا بذاكرته ومكانه وإن ابتعد عنه .تبقى يافا حلمًا بعيدًا تُرسل له الكاتبة الرسائل أينما كانت على شواطئ المتوسط ..تسعى لتعود إلى يافا في رحلة عمل تسترجع ذكرياتها وطفولتها تقطف ثمار شوق سنوات البعد والحرمان ص355.تثبت أن شعارها (إن لله عبادًا إذا أرادوا أراد) صحيحًا عندما نُفذت وصية الدكتور “أبو لغد” وحقق حلم عودته وانتصر على الغرباء بدفنه فوق أجداده في يافا. وتقف في الصفحة الأخيرة على أبواب يافا تنتظر حلم العودة من جديد.
[وعد بلفور او تصريح بلفور (Balfour Declaration) هي الرسالة اللي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 الى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود فى فلسطين].
الفكرة الروائية: في هذه الفصول تدخلنا بعمق في المجتمع الفلسطيني فتعتبر بحثًا اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا ومرجعًا تاريخيًا يقف في وجه طمس الحقائق وتغييرها، والكاتبة في هذه الرواية تُظهر أنها تملك فكرًا متحررًا يرفض الاستبداد الغاشم في كل أشكاله، نلمس هذا متجسدًا في حديثها عن المرأة في الرواية، فذكرت الظلم الذي يحيق بالمرأة وكيف أنها تبقى أسيرة عادات وتقاليد جائرة تمنعها من الاستمرار في حياتها تلغي لأجلها عمرها وشبابها مقابل الحب والاحترام “لقد حُكم على جداتنا بالعجز وبألوان ملابس داكنة وحرّم عليّهن أو حرّمن على أنفسهن وضع أحمر الشفاه والزواق” ص83 .وفي حكاية عمتها الحزينة ص85حيث فقدت ابنها الوحيد ليتزوج زوجها بعد ذلك لإنجاب صبي “من خلف بنتًا لا يعني أنه خلّف ذرية لأن الولد هو استمرار لاسم العائلة أما البنت فلا لأنها تتزوج من رجل أجنبي عن العائلة، ليس هذا فقط الجور الذي يقع على المرأة، “شهادتها نصف الرجل كما أنها ترث نصفه حسب الشرع” ص89.تحدثت عن عيب المطالبة بالإرث، وعن التفرقة بين الرجل والمرأة فقد مُنعت من الدخول إلى أبيها وهو يحتضر ومُنعت من حضور مراسم دفنه كونها عادة وليس فرضًا فرضه الله علينا ص 345.تظهر ضمنيًا الظلم الذي طال أمها وهي التي أفنت عمرها في الإنجاب وتربية الأبناء ورعاية الزوج فتكافَأ بزواج زوجها من أخرى تنافسها بإنجاب عددًا من الأولاد تتساوى بها مع أمها ص344 .أمها كانت قد انتزعت طفلة من بين أقرانها وتحرم من اللعب معهم لأنه سيتم كتب كتابها على عريسها ص313.وكل هذا لأن منذ ولادتها قرأوا فاتحتها على ابن عمها، فقد كانت هذه العادة بمثابة ميثاق يتيح لابن العم إيقاف زواجها لأي شخص آخر ص314.
لغة الرواية :هي اللغة الفصحى سهلة وواضحة وقد طعمت بالأبيات الشعرية حيث العاطفة الانفعالية وحيث يعبر الشعر عما يعجز عنه السرد. معجم المفردات تم إدراجه في المتن عبر الهامش. تضمنت الرواية أمثلة شعبية وأغاني شعبية وأناشيد تلائم المناسبات .تعرضت الكاتبة للأساطير والخرافات التي كانت سائدة في المجتمع الفلسطيني .