راتب المعلم بين الوهم والحقيقة
بقلم/ سعد درويش
يتخيل البعض أن راتب المعلم يتعدى لأرقام فلكية لكن الحقيقة أن راتبه لا يكفيه، فراتب كبير المعلمين الذي قضى حوالي أربعين عاما في الخدمة لا يتجاوز أربعة آلاف جنيه شهريا لكن البعض لا يصدق هذا. ولكي نكون منصفين دعنا نعرف كم أساسي المعلم الشهري الذي على ضوئه يتحدد مرتبه الكلي بما فيها الحوافز والبدلات وإجمالي مرتبه ،
فعلي سبيل المثال أساسي مرتب معلم تعيين 1990 هو 605 جنيه تقريبا هذا بعد الزيادات التي تمت في عام 2012/2013 حيث تم حينها زيادة المعلم 50% بعد تطبيق نظام يسمى بنظام كادر المعلمين لتحسين راتبه بمعنى أن أساسي مرتبه كان أقل بكثير قبل هذا التاريخ ، ونذكر هذا التاريخ بالذات لأنه بعدها في 2014 صدر قرار وزارة المالية بتجميد أساسي راتب المعلم على أساسي 2014 وحتى وقتنا الحالي ظل هذا القرار ساريا ،
بمعنى أساسي كبير معلمين حتى اليوم هو مازال 605 جنيها كما كان ولم يزيد مرتبه منذ 2014 وراتبه ومكافأته مجمدة على أساسي 2014 ، وزد على ذلك يتم الخصم منه من جزاءات واشتراك النقابة الشهري وضرائب وتأمين صحي وغير ذلك ، يتم في ضوء الأساسي الذي كان ممكن أن يتقاضاه في 2020 وبالتأكيد هذا يخفض من راتبه كل عام.
وقد نادى الكثير من المعلمين بضرورة تعديل أو النظر في قرار تجميد الراتب على أساسي 2014 نتيجة غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة التي لا يخفى على أحد هولها.
ولقد نادى المعلمون أيضا بأن يتساووا مع غيرهم من موظفي الدولة الخاضعين لقانون الخدمة المدنية بعلاوتهم وحوافزهم أو مساواتهم بهم في رواتبهم لكن لا من مجيب
ورفعت كثير من القضايا في بعض المحافظات التي أكدت أحقية المعلم بأن يتقاضى راتبه على أساس السنة الحالية 2020 ولكن لا من منفذ لمثل هذه الأحكام والحجة أو السبب في الرفض هو أن ميزانية الوزارة لا يمكنها تحمل مثل هذه الزيادات وقيل دعونا ننتظر حتى نوفر هذه الميزانية.
ويرى المعلمون أنهم أنتظرو الكثير وكثرت عليهم الأعباء ومنهم من يعمل بالمدرسة صباحا ويعمل عمل آخر مساء ، حتى يوفروا حياة كريمة لأبنائهم الذين هم في الجامعات أو المدارس وكذلك مصاريف المعيشة من مسكن وغذاء وخدمات من ماء وكهرباء وغاز وإلى غير ذلك من مصاريف لا تنتهي وهذا يسبب مشاكل كثيرة للمعلمين الذين يجب أن يعملوا في ظروف مناسبة تسمح لهم بالعطاء وبذل الجهد في تعليم النشء أو طلابهم في جو هادئ وملائم للبيئة التعليمية حتى يؤدوا عملهم بإتقان ليقوموا بالدور الأول والأساسي في العملية التعليمية في إكساب تلاميذهم المبادئ والأخلاق والقيم الضرورية في الحياة وكيفية حل المشكلات حتى الوصول بهم للابتكار والإبداع ،
وكيف يمكنه فعل هذا من لا يملك الروح والمعنويات وحتى أحيانا المظهر اللائق الجيد أمام طلابه نتيجة لتردي أوضاعه المعيشية والنفسية .
البعض لديه رؤية أخرى ويتهم المعلمين بالجشع أو أنهم مافيا ويعوضون قلة راتبهم هذا بالدروس الخصوصية ولكن هذا ينافي الحقيقة فهناك معلمون لا تعطي دروسا خصوصية مثل معلمي التربية الفنية والموسيقية والتربية الرياضية والحاسب الآلي والإداريين ومعلمي المكتبات والمسرح والإخصائيين الاجتماعيين وغيرهم وكلهم لا يملكون إلا راتبهم الشهري .
وهناك من المعلمين من يكتفي بالمجموعة المدرسية المخفضة التي هي لدعم الطلاب الضعاف الذين في حاجة لتأكيد وتكرار المعلومة بسبب تكدس الفصول بالطلاب فيصعب اكتساب المعرفة والمعلومات في وسط الأعداد الكبيرة ولأن المنهج كبير ويحتوي على كثير من الحشو وليس باليسير أو بالبساطة التي يفهمها الطالب بمفرده أو من خلال معلم الفصل .
ولذلك يلجأ أولياء الأمور والطلاب للانضمام للمجموعات أو الدروس الخصوصية خاصة في المدارس الابتدائية لأن الأطفال مرتبطون ويحتاجون للمعلمين أكثر في هذه المرحلة وتنتشر ظاهرة الدروس الخصوصية في هذه المرحلة أكبر وتقل في المراحل الإعدادية والثانوية حيث إن الطلاب كبار غير مرتبطين كثيرا بمعلمي المدرسة أو الفصل وعندهم حرية أكبر في اختيار معلمين آخرين من خارج المدرسة في مراكز الدروس الخصوصية المنتشرة في كل حي وكل منطقة في كل ربوع مصر .
والسؤال الآن من يعطي الدروس الخصوصية ؟
معظم معلمي التربية والتعليم خاصة في المرحلة الإعدادية والثانوية فوق سن الخمسين وقد تم تعيينهم من فترة كبيرة حيث تم وقف التعيينات وإلغاء نظام تكليف خريجي كلية التربية منذ عام 1993 والوزارة بعدها أعلنت نظام المسابقات و عندما تحتاج لعدد محدد من المعلمين حسب الحاجة والضرورة بمعنى أن بعد خمس سنوات من الآن سوف يخرج هؤلاء جميعا للتقاعد ولن يتبقى إلا القليل منهم وسيكون هناك عجز كبير في المعلمين عام 2026 /2025.
ونظرا لكبر سن هؤلاء المعلمين فيفضل الكثير منهم بنسبة 90% المجموعات المدرسية بصفتها قانونية ومتاحة وفي نفس المكان بالمدرسة ولا يضطر للتنقل كثيرا مثل الشباب الذين يملكون القوة والطاقة لذلك.
ومن يقوم بإعطاء الدروس الخصوصية هم معلمون بالتربية والتعليم وحصلوا على إجازة بدون مرتب أو قدموا استقالتهم بعدما ذاع صيتهم وإنتشرو وقاموا ومازالوا يقومون بدعاية وإعلانات لهم بآلاف مؤلفة من الجنيهات سنويا ولهم مسوقون ومساعدون يعطونهم مرتبات شهرية ومنهم خريجون جدد تخرجوا ولم يجدوا عملا وأحيانا يكونوا في نفس تخصص المعلم الشهير الذي يشغلهم وهم من يقومون له بتصحيح الواجبات وتحصيل قيمة الدرس الخصوصي وحجز مواعيد هذا المعلم وحجز القاعات أو مراكز الدروس الخصوصية ويكون دور المعلم الشهير فقط هو الحضور وإعطاء الدرس فقط وبعدها يركب سيارته الفارهة ويغادر متوجها لمركز دروس في منطقة أخرى وهذا يجعله يكسب الآلاف بل الملايين من الجنيهات .
ويعتقد البعض أن كل المعلمين هكذا ولكن كما صرح سيادة الدكتور وزير التعليم أن عدد هؤلاء حوالي 1% من المعلمين .
وهناك كما قلنا خريجين لم يتثنى لهم التعيين أو العمل بعد منذ تخرجهم ، فيلجئون للعمل في مراكز الدروس الخصوصية في تخصصاتهم العلمية أو بعضهم يعمل في المدارس الخاصة وهم النسبة الأكبر في إعطاء الدروس الخصوصية .
ومن هؤلاء أيضا من يعمل في مصالح أخرى ويلجأ لإعطاء الدروس كمصدر لزيادة الرزق وكما قال لي أحد المعلمين إن التعليم أصبح مهنة من لا مهنة له فلا شهادة ولا رخصة ولا غيره ولكنهم يمارسون المهنة من خلال إعطاء الدروس الخصوصية ومنهم من ينجح في ذلك ويذيع صيته وينتشر اسمه ويكرس نفسه لهذه المهنة فقط فهو ليس بمعلم معتمد من الوزارة ولا يتلقى تدريبات على المناهج فلا شهادات ولا اختبارات دورية.
ومثل هؤلاء الهواة لديهم الوقت الكافي لتجهيز أنفسهم ومذكراتهم وتحضيردروسهم من الكتب الخارجية بشكل لائق فلا عوائق ولا عقبات مثل معلمي التربية والتعليم المعتمدين المرتبطين بحضور وانصراف بالمدرسة وجدول حصص مدرسي وكل ما تطلبه المدرسة ووظيفته من واجبات وأولويات .
نستخلص من هذا كله أن معلمي التربية والتعليم موظفون مؤهلون يقومون بواجباتهم ودورهم في فصولهم ومدارسهم الرسمية والبعض يتهمهم بمافيا الدروس والبعض ينظر لهم بأنهم كما يقال ( وكلينها والعة) لكن الحقيقة أنهم يعملون ويجني حصيلة وثمار عملهم آخرون من خارج العملية أو المنظومة التعليمية أو وزارة التربية والتعليم سواء معلمين متقاعدين أو غيرهم ممن يطلقون على أنفسهم مسمى معلمين وهم غير معتمدين في التربية والتعليم أو نقابة المهن التعليمية وأكثرهم أحيانا خريجون جدد أو الذين يجدون في أنفسهم القدرة على التدريس ولكنهم في الحقيقة لا يتمتعون بصفة رسمية كمعلمين وهذا ما يحدث البلبلة عند عامة الشعب .
ولكن المعلمين المكلفين المقيدين بنقابة المعلمين ووزارة التربية والتعليم قد صدر قرار بتجميد مرتباتهم على أساس 2014 وأعلى مرتب يحصلون عليه هو أربعة آلاف جنية وقد حرموا من حقهم في الكادر الذي حرمهم من حافز الإثابة 75% حين صدر القانون وبعدها أصبح 200% هذا العام ولم يتساووا مع باقي موظفي الدولة يعني لم يحصلوا على نظام الكادر بكامله حتى اليوم أو يتساووا بغيرهم من موظفي الدولة حسب قانون الخدمة المدنية وهو القانون رقم 81 لعام 2016 .
ويتهمهم البعض بإعطاء الدروس الخصوصية والواقع أن من يعطي الدروس معظمهم من خارج المنظومة التعليمية من المشاهير الذين خرجوا من الوزارة بفضل ذيوع شهرتهم أو الكثير من الهواة الغير مسجلين بالوزارة ويمتهنون مهنة التعليم خارج المؤسسات التعليمية في مراكز الدروس الخصوصية لذلك يرى معظم المعلمين أن إغلاق مراكز الدروس الخصوصية أمر جيد فهو لا يؤثر عليهم لأنه سبب لهم ظلم كبير ولا يعود عليهم بأي منفعة وكان مبررا أو سببا لانخفاض رواتبهم حتى اليوم ولم يوفر لهم حياة كريمة أو نظرة اجتماعية منصفة .