إليك أيها المريد الصادق: مـتـعـة الســـر ومـتـعـة الــروح
بقلم فضيلة الشيخ
فوزي محمد أبو زيد
متعة السر، أعني بها ذلك العالم من العوالم التي يقول فيها الله: { يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } (7طه).
فهذا السر عالم موجود فيك، أين هو؟
أمر لا يعلمه إلا العليم،
هذا السر ماذا يهوى؟ وما متعته؟
في سر الأسرار، ونور الأنوار سيدنا محمد النبي المختار ﷺ:
وغاية بغيتي يبدو حبيبي
بعين الروح لا يبدو خفيا
وكما ورد في الاثر عن حضرته ﷺ من سلسلة أهل القلوب:
(( إن في القلب لغيب، وإن في الغيب لسر، وإن في السر لأنا )).
وقال ﷺ:
{ أَنَا مِنَ اللَّهِ، وَالْمُؤْمِنُونَ مِن نُورِي } “الفوائد المجموعة للشوكاني”
ولذلك قال لنا الله:
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } (128التوبة)
يعني من داخلكم: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} (7الحجرات)
فيكم نور رسول الله ﷺ، الذي يقول فيه صلوات ربي وتسليماته عليه:
{ إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ } “جامع الترمذي ومسند أحمد ”
ما الذي يحرِّكنا نحو الطاعات، وكتاب الله، واتباع رسول الله، والعبادات، والرغبة في أداء الحج إلى بيت الله، وأي عمل صالح؟ هو النور الذي بداخلنا، ومن أين ذلك النور؟ من نور رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ من نور الله تبارك وتعالى.
والروح متعتها وبهجتها أن تتمتع بمشاهدة الأسماء الإلهية، والأوصاف الربانية التي بها قامت كل العوالم الظاهرة والخفية، فإن كل العوالم إنما هي تجليات من الأسماء والصفات،
حتى نحن أنفسنا، أنت كيف ترى؟ بتجلِّي اسم الله البصير، وبم تسمع؟ بتجلَّي اسم الله السميع، وبم تحيا؟ بتجلي اسم الله الحي، وبم تقوى؟ بتجلِّي اسم الله القوي، وبم تعلم؟ بتجلِّي اسم الله العليم، فإذا انتهت مهمتك في الدنيا يتجلَّي عليك باسمه المميت، فينتهي هذا الإنسان.
فكل هذه تجليات الأسماء الإلهية، …. والصفات الربانية … في كل العوالم العلوية والسفلية.
والسماء بأي شيء رفعها؟ باسمه الرافع، هل يوجد أعمدة تحملها؟! وهل يوجد حبال تمسكها؟! لا، لكن الله تجلى عليها باسمه الرافع فرفعها، والأرض بأي شيء بسطها؟ باسمه الباسط.
وكل شيء في الوجود ناتج عن تجليات الأسماء الإلهية والصفات الربانية، وهذه كلمات وعبارات نسمعها، لكن هناك أُناس يريدون أن يتمتعوا برؤية هذه التجليات، وإشراق أنوار هذه الصفات، فتكون هي متعته.
نحن كلنا فينا نفخة:
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} (29الحجر)
من أين هذه النفخة؟ من حضرة الله تبارك وتعالى، هذه النفخة الإلهية تشتاق لأصلها ولوصلها، لشهود وجه الجميل تبارك وتعالى، فكل بغيتها وكل متعتها أن تحظى بالنظر لوجه الله تبارك وتعالى.
هذه الأمور هي التي تقلق السالكين، وتحير العارفين، وتجعلهم في شوق دائم وحنين، للوصول إلى هذه المراتب، ليتمتعوا كما كان يتمتع بها السابقون.