وسط انتشار كثيف لقوات الجيش والأمن، وعلى وقع كارثة انفجار بيروت، التي خلفت أكثر من 158 قتيلاً، خرجت أمس السبت تظاهرات غاضبة وسط العاصمة اللبنانية تطالب برحيل الرئيس ميشال عون، ورئيس الحكومة حسّان دياب.
فيما اندلعت النيران في مبنى قريب من مبنى البرلمان اللبناني وسط العاصمة. كما أفادت مراسلة «العربية/الحدث» بوقوع اشتباكات بين الطرفين ألقى فيها متظاهرون زجاجات حارقة على الأمن.. فيما قامت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين عمدوا إلى التوجه نحو البرلمان، ما خلّف 110 إصابات بينهم.
وأكدت الشرطة أنه تم إطلاق رصاص. وردد المحتجون هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام»، وقام جنود يركبون سيارات عليها مدافع رشاشة بدورية في المنطقة وسط الاشتباكات.
وصرخت امرأة: «هل حقا.. الجيش هنا.. هل أنتم هنا لتطلقوا علينا الرصاص.. انضموا إلينا ويمكننا أن نواجه الحكومة معا».
ورفع محتجون لافتات خيّرت إحداها المسؤولين بين الاستقالة والشنق.
وأطلقت الشرطة عشرات من عبوات الغاز المسيل للدموع على المحتجين الذين أضرموا النار ورشقوا الجنود بالحجارة.
واقتحم متظاهرون آخرون مبنى وزارة الخارجية الواقع في منطقة الأشرفية وسط العاصمة، رافعين فيه شعارات: «بيروت مدينة منزوعة السلاح»، معلنين أن الوزارة أضحت مقراً لـ«الثورة اللبنانية».
ونقلت المعلومات أن عسكريين متقاعدين قد تظاهروا داخل المبنى أيضاً، فيما اقتحم آخرون مبنى وزارتي الاقتصاد والبيئة.
وقال أحد المحتجين في مكبر صوت: «نحن باقون هنا ندعو الشعب اللبناني لاحتلال جميع الوزارات».
في السياق، تعالت هتافات بعض المحتجين ضد «حزب الله»، واصفين إياه بالإرهابي، فيما أقام الأمن والجيش حواجز لمنع اقتحام البرلمان.
وتجمع المتظاهرون في ساحتي النجمة والشهداء وسط انتشار للجيش في شوارع العاصمة.. فيما كانت مراسلة «العربية» قد ذكرت في وقت سابق أن الأعداد تزايدت، بينما توقع العديد من المشاركين وصول المزيد من المحتجين من كافة المناطق اللبنانية.
من جانبها، أعربت قيادة الجيش اللبناني عن تفهمّها لـ«عمق الوجع والألم الّذي يَعتمر قلوب اللبنانيين، وتفهّمها لصعوبة الأوضاع الّتي يمرّ بها وطننا»، لكنها ذكّرت المحتجّين بـ«وجوب الالتزام بسلميّة التعبير والابتعاد عن قطع الطرق والتعدّي على الأملاك العامّة والخاصّة».
بدورها طلبت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من المتظاهرين ضبط النفس والتعبير بشكل حضاري وسلمي بعيدًا عن كلّ أشكال العنف والاعتداء على الممتلكات العامّة والخاصّة، وعدم التعرّض لعناصرها الذين يقومون بواجبهم للحفاظ على الأمن والنظام.
جاء ذلك بعدما دعت عدة جمعيات ومنظمات مدنية إلى التجمع ابتداء من الساعة الرابعة عصر امس (بالتوقيت المحلي) في ساحة الشهداء وسط بيروت من أجل المطالبة بمحاسبة كافة المسؤولين عن تلك المأساة، التي حلت بالمدينة، واستقالة الحكومة ورئيس الجمهورية.
وتحت وسوم «يوم الحساب» و«الغضب الساطع» و«علقوا المشانق»، دعا مئات الناشطين على مواقع التواصل الناس إلى النزول للتعبير عن سخطهم ورفضهم ممارسات السياسيين في البلاد، ولا سيما بعد ثبوت إهمالهم القاتل في العديد من الملفات، وعلى رأسها كارثة الرابع من أغسطس.
وكان اللبنانيون قد عبروا بكافة الطرق عن سخطهم من الكارثة التي حلت بمدينتهم، سواء عبر وسائل الإعلام المحلية أو مواقع التواصل.
كما عمد بعضهم إلى طرد الوزراء الذين حاولوا النزول إلى الشوارع المدمرة، في مبادرة منهم لمساعدة الشباب الذين تبرعوا لرفع الركام.
فقد طفا كل هذا الغضب في وجه الطبقة السياسية الحاكمة برمتها، كما طالت شظاياه بقوة هذه المرة حزب الله المدعوم من إيران.
وفي وقت لاحق من يوم أمس قال رئيس وزراء لبنان حسان دياب انه سيطرح الدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لنزع فتيل الأزمة السياسية المتفاقمة.
وقال دياب: «بواقعية لا يمكن الخروج من أزمة البلد البنيوية إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة لإنتاج طبقة سياسية جديدة ومجلس نيابي جديد».
وتابع أنه لا يتحمل المسؤولية عن الأزمات السياسية والاقتصادية العميقة التي يمر بها لبنان.
من جانبه أعلن رئيس حزب الكتائب اللبناني سامي الجميل استقالة نواب الحزب الثلاثة من البرلمان. وجاء ذلك خلال تشييع جنازة أمين عام الحزب نزار نجاريان الذي لقي حتفه في انفجار مرفأ بيروت.
وقال الجميل: «نحن منتقلون للمواجهة» لإصلاح الدولة. وأضاف: «أدعو كل الشرفاء إلى الاستقالة من مجلس النواب والذهاب فورا إلى إعادة الأمانة للناس ليقرروا من يحكمهم دون أن يفرض أحد عليهم أي أمر».
وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت يوم الخميس ووعد الحشود اللبنانية الغاضبة بأن المعونات التي ستخصص لإعادة بناء المدينة لن تسقط في «أيد فاسدة». وسيستضيف مؤتمرا للمانحين من أجل لبنان عبر الفيديو اليوم وفقا لما أعلنه مكتبه.
وقال رئيس الوزراء ومؤسسة الرئاسة في لبنان إن 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم الشديدة الانفجار، وهي مادة تستخدم في صناعة الأسمدة والقنابل، كانت مخزنة لست سنوات في مستودع بالمرفأ من دون إجراءات للسلامة.
وقال الرئيس اللبناني ميشال عون الجمعة إن التحقيق في الانفجار سيبحث أيضا إن كان ناتجا عن قنبلة أو أي تدخل خارجي آخر.
وأضاف أن التحقيق سيبحث ما إذا كان الانفجار ناجما عن الإهمال أم كان قضاء وقدرا, مشيرا إلى أن 20 شخصا جرى توقيفهم حتى الآن.