كرونا والماء والإنسان والبعث
أ.د.محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
توقفت كثيرا عند عدد من آيات القرآن الكريم تربط بين الماء والخلق والإنسان والتكريم والبعث،
فعندما أراد الله سبحانه أن يكرم الماء جعله تحت عرشه (وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا!)
وعندما أراد فرعون أن يثبت ألوهيته قال: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟)
وعندما أراد الله أن يخلق البشر خلقهم من الماء (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب)
وعندما أراد أن ينقذ النبي إسماعيل وأمه المصرية فجر نبع زمزم تحت قدميه، وجعل سعيها للماء شعيرة في حج بيت الله الحرام بالطواف فيها سبعة أشواط كما الكعبة. (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)
وعندما أراد أن يشفي النبي أيوب من مس الشيطان شفاه بالماء (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)
وعندما أراد أن يحي الأرض بعد موتها أنزل عليها من السماء ماء طهورا مباركا (وأنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها)
وعندما أراد سبحانه أن يكرم بني آدم جعل الملائكة تسجد له (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا)
فإذا أردنا أن نتساءل عن حكمة الله في الربط بين تكريم الماء ثم خلق الإنسان منه، فلابد أولا أن ندرك العلاقة بين تكريم الماء وابتلاء الإنسان! فالماء كما قال العلماء سر الحياة، فما وجه الاختبار في منحه للإنسان من تحت عرش الله؟ كيف يتصرف الإنسان تجاه الماء، وكيف يستفيد من هذه المنة الكبرى؟ لكن الأهم هو لم خُلق الإنسان من الماء؟ ،هل أراد الله به تكريم الإنسان، ولم طلب منه أن ينظر في آلية خلقه وهو الماء، وهل يدعوه أيضا إلى احترام الماء وتكريمه، وحسن الاستفادة منه (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) وقبل أن يدرك الإنسان الحكمة بادره سبحانه بقوله: إنه على رجعه لقادر! أي بعثه، من ثم يكون محور فكر الإنسان في حكمة الله هو الربط بين الابتلاء والماء والإنسان والبعث.
من الماء تتخلق الطبيعة كما يتخلق الإنسان، والماء يبعث الحياة في الميت من الطبيعة والإنسان، والماء مكرم تحت عرش الله، في حماية ظل عرشه، فمن أهانه أسقط عنه هذا التكريم، ومن قدر مكانته وقدرته فأحسن التعامل معه، نجح في ابتلاء الله، فكان جديرا بسجود الملائكة له كما سجدوا لآدم، وخدمة الجن له كما خدموا سليمان. فضلا عن البعث الكريم.
وعندما يبتلى الإنسان بداء عضال مثل الكرونا، عليه أن يستعيد قرآن الله، وما ضربه من أمثال في مواجهة هذا الأمر، ويفكر في هذه الأمثال بدلا من أن يتسرع إلى الأخذ بالفتاوى نقلا عن بعض الأحاديث، فالأولى من الفتاوى هو كلام الله، وتصديقه، والعمل به، فما ضرب الله للإنسان في هذا القرآن من كل مثل عبثا؟! بل من أجل فائدته والانتفاع به في مواجهة مشاكله.
فلتُغلق أفواه ضعاف الإيمان بالله. ولتنتظر دعاوى العلمانيين والملحدين، فما عجزهم إلا لبعدهم عن أوامر الله، وما تعلقنا بفتاويهم إلا إقرار بضعف إيماننا.
افتحوا للناس أبواب الشواطئ، ودعوهم يسبجوا في ماء الله، وزيدوا من مرات الوضوء مع زيادة الصلوات لله، واصبروا على ابتلاء الله، وتقربوا من الله بالعمل مستفيدين من الأمثال التي ضربها لكم في كتابه الكريم، لعل الله يدرك ما آمنتم به صدقا، فيرفع عنكم البلاء، ويبعث نفوسكم من جديد سليمة طاهرة قوية مطمئنة. ألا بذكر الله تطمئن القلوب؟! والذكر ليس مجرد كلام يقال، بل تصديق وعمل.