منهاج الإسلام
عبد الرحمن علي البنفلاح
تحدثت فيما سبق عن شرعة الإسلام، وهي كما قلنا النظم والقوانين التي تضبط حركة المسلم، وتسدد خطاه إلى صراط مولاه المستقيم، واليوم نتحدث عن المنهاج، أي عن منهاج الإسلام، وهو البرنامج اليومي، والأسبوعي، والسنوي، وهذا بحسب تقسيم العبادات إلى عبادات يومية كالصلوات الخمس، وعبادات أسبوعية كصلاة الجمعة وما يتصل بها، وعبادات سنوية كصيام شهر رمضان من كل عام، وإخراج الزكاة في كل عام، والحج مرة واحدة في العمر إذا توافرت أسبابه.
لا يكفي المسلم أن يؤدي العبادة على أي وجه، بل لا بد من أن يكون ذلك وفق سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التي أمرنا صلى الله عليه وسلم باتباعها، وعدم مخالفتها.
والمنهاج نفهمه على أنه البرنامج العملي الذي نتعامل من خلاله مع الشريعة، فالشريعة هي السبيل، والمنهاج هو السنة التي هي: أقوال الرسول، وأفعاله، وتقريراته، وهذا المنهاج هو الذي أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باتباعه والحرص عليه، وقال فيما روي عنه صلى الله عليه وسلم: [صلوا كما رأيتموني أصلي] (صحيح البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم عن مناسك الحج: [يا أيها الناس خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا] (صححه الألباني في صحيح الجامع).
المنهاج إذن هو السنة بفروعها الثلاثة، وهي كيفية أداء التكاليف الشرعية التي أمرنا الله تعالى ورسوله بها.
لكن الالتزام بما وجهنا إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متوقف على أحوال المسلم، وإذا تغيرت هذه الأحوال فلا يكلف الله تعالى نفسًا ما لا تطيق، فحين يكون العبد صحيحًا وقادرًا ومقيمًا فعليه أن يؤدي التكاليف كما أداها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والتزم بها الرعيل الأول من صحابته رضوان الله تعالى عليهم، فإذا تغيرت أحوال المسلم من الصحة إلى المرض، ومن القدرة إلى العجز، ومن الإقامة إلى السفر تغيرت تبعًا لذلك شروط أداء هذه التكاليف، وشرع الحق سبحانه وتعالى اليسر ورفع الحرج عن العبد، فعند المرض والعجز للمسلم أن يصلي واقفًا إن استطاع، أو قاعدًا أو على جنبه، أو مستلقيًا، وإن كان على سفر يؤدي الصلوات قصرًا وجمع تقديم أو جمع تأخير، وإن كان في رمضان خفف عنه بأن يفطر، فإذا رجع من سفره قضى الأيام التي أفطرها في رمضان, بعد رمضان. والحج حين لا تتوافر شروطه يسقط عن العبد حتى تتوافر هذه الشروط، وإن غاب شرط واحد منها لا يجب الحج حتى يستكملها جميعها، وهي: القدرة البدنية، والمادية، وأمن الطريق.
وأما الزكاة، فلها شروطها الواجب توافرها حتى تجب على العبد، وهذه الشروط هي: أن يزيد المال عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقتهم وهم أهله وأبناؤه، وأن يبلغ هذا المال النصاب، وأن يحول عليه الحول، فإن لم تتحقق هذه الشروط أو تخلف واحدٌ منها لا تجب الزكاة على العبد.
إن منهاج الإسلام، منهاج رحيم يراعي فيه الحق سبحانه وتعالى أحوال العباد، ويرخص لهم حين يكون هناك دواعٍ للترخيص، والله سبحانه وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه سبحانه، ويغضب سبحانه حين يعرض العبد عن عطاء مولاه جل جلاله، ويستغني عن رخصه ويسره، إن العباد جميعا فقراء إلى الله تعالى وهو سبحانه الغني الحميد.
الغاية إذن واضحة، والسبيل إليها محفوف بالرحمات.. واليسر ورفع الحرج سبيلان يحبهما الله تعالى، ويحب من يأخذ بهما، وعلينا إذا أردنا أن نعرف الشرعة والمنهاج أن نتدبر الآيات الثلاث من سورة الأنعام وهي: (151 و152 و153) التي تبدأ بقوله تعالى:{ قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم…} إلى قوله سبحانه:{ وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
هذا هو الإسلام شرعة.. وهذا هو الإسلام منهاجًا.. وهذا كتاب الله الخالد متضمنًا الشرعة والمنهاج.