كتبت: إيمان عوني مقلد
طالب عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني العراقية الحكومة والأجهزة الأمنية بالكشف عن مصير الناشطة الألمانية هيلا ميفيس، التي اختطفها مسلحون مجهولون مساء الاثنين قرب مكتبها وسط بغداد، وشددوا على ضرورة العمل على إطلاق سراحها فورا.
وشكلت وزارة الخارجية الألمانية خلية أزمة للبحث في ملابسات اختطاف المواطنة الألمانية بحسب موقع دويتشه فيلا الرسمي، الذي نقل عن وزير الخارجية هايكو ماس قوله إن وزارته بدأت النظر في القضية من أجل إيجاد “حل يضمن سلامة الشخص المعني وأمنه”، دون أن يضيف أي تفاصيل.
وسبق أن نقلت وكالة “د ب أ” الألمانية عن متحدث باسم الخارجية تأكيده على أن الحكومة الاتحادية لا تدلي بتصريحات “بشكل أساسي عن حالات اختطاف أو أخذ رهائن ألمان في الخارج”.
وقالت وزارة الداخلية العراقية إنها شكلت طاقم تحقيق خاص من خبراء المخابرات وجهاز مكافحة الإجرام للتحقيق في القضية.
فمن هي هيلا ميفيس وما طبيعة النشاطات الثقافية التي كانت تقوم بها في العراق ولماذا لم تعلن أي جهة عن مسؤوليتها عن اختطافها؟ يحلو لأصدقاء هيلا من العراقيين أن يسموها “هيلة”، وهو اسم عراقي محبب مشتق من حب الهال “الهيل باللهجة العراقية”، ووصفها بعضهم في تعليقاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي بعاشقة بغداد.
وكانت ميفيس، التي تدير برامج فنية وتساعد في إقامة معارض وورش تدريبية فنية وثقافية في مركز “بيت تركيب” الذي تديره ويحظى بتمويل من مؤسسات ثقافية ألمانية وفرنسية ولا يتمتع بأي دعم رسمي من الحكومة العراقية.
وكانت ميفيس تمارس نشاطات في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب تركيزها على مشاريع رعاية وتحفيز الفنانين العراقيين الشباب. وتظهر في المقطع سيارتان؛ إحداهما شاحنة بيضاء صغيرة تشبه نوعا من السيارات التي تستخدمها الأجهزة الأمنية، تقومان باعتراض طريق ميفيس، وينزل مسلحون منها ليجبروها على الصعود في سيارتهم رغم مقاومتها.
وتقول إحدى صديقاتها، الناشطة العراقية ذكرى سرسم من مؤسسة برج بابل، إن ميفيس “عشقت بغداد منذ زيارتها الأولى عام 2010، وقد التقيتها في منتدى المسرح حيث كانت برفقة فرقة مسرحية من ألمانيا، ثم تكررت زيارتها لبغداد و كانت تعمل على التخطيط لمشاريع فنية مشتركة”. وتضيف “أسهمت في التنسيق لتقديم المسرح العراقي في ألمانيا و نجحت في إرسال فريق من الفنانين لتقديم عروض مسرحية في برلين”.
وفي عام 2011 قررت العيش في بغداد والعمل على تأسيس مشروعها الفني الشخصي في “بيت تركيب”، كما كانت تتعاون في نشاطات معهد غوته الثقافي الألماني في بغداد وتسهم أيضا بتدريس اللغة الألمانية فيه.
ووصفها الروائي العراقي المقيم في ألمانيا، نجم والي، في صفحته على فيسبوك بأنها “عاشقة بغداد بحق. أعرف هذه المرأة الرائعة منذ عام 2011 عندما جاءت من القاهرة إلى بغداد، أحبت بغداد، وقررت العيش فيها مخاطرة بحياتها، افتتحت بيت تركيب الذي هو مشروعها الخاص على الرغم من اعتراض الحكومة الألمانية ممثلة بالسفارة الألمانية في بغداد على إقامتها في عاصمة الخراب خشية على حياتها”. وتقول سرسم أنها “قررت أن تستقر في بغداد لأنها تحب الشمس و البيوت التراثية وعانت كثيرا في موضوع الحصول على الإقامة و تجديده “.
أفتتحت هيلا مشروعها الفني “بيت تركيب” في بغداد عام 2015، الذي يهدف وفقا لموقعه على الإنترنت: إلى أن يقدم مكانا آمنا “للشباب والشابات البغداديين للتعبير عن أفكارهم عبر معارض فنية وفعاليات أدائية عامة؛ فضلا عن إقامة ورشات عمل وتدريب لهم”.
وكانت هيلا قد نظمت الكثير من النشاطات عبر عملها قيمة فنية لحساب مؤسسات أخرى قبل افتتاح مشروعها الذي بات مركزا لإقامة معارض فنية وورش تعليمية ونشاطات ثقافية للفنانين الشباب في العراق.
اختطاف هيلا
انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر عملية اختطاف ميفيس بينما كانت تنتقل على دراجتها الهوائية قرب موقع “بيت تركيب” الذي تديره على شارع أبو نواس وسط العاصمة العراقية. ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر أمني قوله إن الحادث وقع تحت أنظار أحد عناصر الشرطة في مركز قريب ولم يتدخل لوقف عملية الاختطاف.
كما نقلت الوكالة نفسها عن الناشطة سرسم قولها ” إن ميفيس كانت تشعر بالقلق بعد مقتل هشام الهاشمي”، وهو باحث عراقي كان يدعم الاحتجاجات المناهضة للحكومة العام الماضي، مضيفة: “لقد تحدثت إليها (ميفيس) الأسبوع الماضي وهي كانت بالفعل منخرطة في الاحتجاجات أيضا، لذلك كانت تشعر بالتوتر بعد الاغتيال”. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، بيد أن تكهنات انتشرت في وسائل الإعلام المحلية العراقية أشارت بإصبع الاتهام إلى جهات متباينة، فبعضها لمح إلى مسؤولية تنظيم الدولة الإسلامية عن العملية، بينما اتهم البعض الآخر ميليشيا “كتائب حزب الله” بالمسؤولية عن الاختطاف، لكنها نفت بدورها وجود أي علاقة لها بالعملية.
ويشهد العراق منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي موجة احتجاجات واسعة النطاق في العاصمة بغداد وعدد من مدن جنوب العراق ذي الغالبية الشيعية ضد الفساد المهيمن على العملية السياسية في العراق وغياب الخدمات ونفوذ وتدخلات دول الجوار في الشأن العراقي.
وترافقت هذه الاحتجاجات مع أعمال عنف قتل فيها نحو 550 شخصا برصاص القوات الأمنية أو جهات مسلحة حاولت استهداف المحتجين؛ ومن بين الضحايا 24 ناشطا قضوا برصاص مسلحين مجهولين على متن دراجات نارية.
وخُطف عشرات آخرون أُطلق سراح بعضهم في ما بعد بالقرب من منازلهم، ولا يزال مصير الآخرين مجهولا.
كما شهد هذا العام ارتفاعا مقلقا في عمليات خطف الأجانب، الذين كانوا خارج دائرة الاستهداف منذ عدة سنوات.
وانتقدت منظمة العفو الدولية الأحداث باعتبارها “حملة دامية متصاعدة من المضايقات والترهيب والخطف والقتل المتعمد للنشطاء والمتظاهرين”.