شرعة الإسلام
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} المائدة/48.
وسوف نتحدث في لقائنا هذا عن الشرعة، وسوف نؤجل الحديث عن المنهاج في اللقاء القادم.
الشرعة أو الشريعة هي النظم الضابطة لسلوك الإنسان عمومًا وللمسلم على وجه الخصوص، وهي تضبط خطواته على الطريق حتى لا تزل به الأقدام، ولا تنحرف به الإتجاهات، وهذه الأنظمة نجدها في الآيات المحكمة التي ينبغي على المسلم ألا يعصيها، وهذه الشرائع: إما أمر بمعروف، وإما نهي عن منكر، والمعروف منه الفرائض التي يثاب عليها فاعلها، ويعاقب عليها تاركها، ومنه السنن، والسنن على قسمين: سنن مؤكدة، وسنن مباحة، والسنن الرواتب اثنا عشرة ركعة بالنسبة للصلاة التي هي أكثر العبادات ملازمة للمسلم، وهذه الركعات هي: ركعتان قبل الفجر وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
ومن الآيات المحكمات ما يتعلق بالحلال والحرام في المطعومات والمشروبات، وهي على ثلاثة أقسام، هناك الحلال الطيب، وهناك الحرام الخبيث، وهناك ما هو في حالة الإضطرار، وتكفلت بهذه الأقسام آيتان من سورة البقرة وهما قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)} البقرة.
لقد تضمنت الآيتان ثلاث مراتب للطعام، وهي: الطعام الحلال الطيب، وهو الذي أشارت إليه الآية (172)، والنوع الثاني هو: الطعام الحرام الخبيث، والقسم الثالث هو: الطعام الحرام المأذون بشيء منه في حالة الإضطرار، وهما التي أشارت إليهما الآية (173)، وهذا النوع الثالث من الطعام من الممكن أن نطلق عليه: طعام المضطرين، ونلاحظ أن هاتين الآيتين قد اشتملتا على كل ما يحتاج إليه الإنسان، وبالتالي فلا حاجة إلى التقول على الله تعالى، وتحليل ما حرم الله سبحانه، وتحريم ما أحله الله جل جلاله، ففي هاتين الآيتين الكفاية والغنى عما سواهما، ونلاحظ أنه من رحمة الله تعالى ورفعه للحرج عن عباده المؤمنين أنه سبحانه وتعالى قد أباح لهم شيئًا من الحرام إلى حين حتى يجدوا ما يغنيهم من الحلال الطيب، ولهذا كان ختام الآية (173) موحيًا بالرحمة والرأفة لأن الذي حرم الحرام هو الذي أباح شيئًا منه عند الإضطرار، ورفع الحرج عن المسلم، وطمأنه، فرفع الحرج عنه بأن لا إثم عليه من أكل الحرام مضطرًا لأنه سبحانه غفور للذنب الذي ارتكبه عبده مضطرًا، ورحيم لأنه سبحانه أباح له شيئًا من الحرام ساعة الإضطرار، وذلك في قوله تعالى: {..فمن اضطر غير باغ ٍولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}.
إذًا، فهذه الدرجات أو المراتب الثلاث من الطعام والشراب لا تترك مجالاً لأن يشرع الإنسان عمومًا، والمسلم على وجه الخصوص ما لم ينزل الله تعالى به سلطانا، ولنتدبر قوله سبحانه وتعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116) متاع قليل ولهم عذاب أليم (117)} سورة النحل.
لقد أغناكم الله تعالى من فضله، فأباح لكم من الأطعمة والأشربة الحلال، وأضاف إليها شيئًا من الحرام عند الإضطرار، فلا حاجة لتفتروا على الله الكذب والتلفيق، وأن تنزلوا أنفسكم منزلة المشرعين المتألين على الله-تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا- فتكتبون الكتاب ثم تقولون هو من عند الله!!.