للثأر أساطيره
بقلم/ د. نجلاء الورداني
ضحية قصتنا شاب جعلت منه عاداتنا وتقاليدنا بطلا وحلم كل فتاة ترغب في الزواج والارتباط بمثله، فهو شاب يبلغ من العمر تسعة وعشرين عامًا جعلته الأقدار قاتلا يدافع عن كرامة وعزة عائلته ويقتص لابن عمه الذي قتل خطًأ.
فبطل قصتنا شاب ينتمي لأسرة متوسطة الحال، حيث يبدأ سرد سطور حكايته حينما كانت هناك عائلتان كبيرتان مشهورتان بينهما ثأر منذ قديم الأزل وتسكنان القرية نفسها، بل تتلاصق أراضيهما الزراعية.
عائلتان لا تتوانى أية عائلة فيهما عن تقديم أفضل من لديها من الفتيان لأخذ ثأرها، وبالمثل اختيار أفضل من في العائلة الأخرى للقصاص منه؛ حيث تراقبه لقتله وأخذ الثأر منه وتدبر له المكيدة والوقوع فيما رسم له من فخوخ.
وكان لهذا الفتى صديق يعزه ويقدره لا يتركه سوى لحظات الليل القلائل لينام كل منهما ويرتاح ليكملا مسيرتهما غدًا، وبينما هما يسيران في إحدى الأراضي الزراعية وقت العصاري يتحاكيان ويضحكان، وإذ فجأةً وبدون مقدمات خرجت رصاصة لتلصق في قلب الصديق ويموت على إثرها في التو واللحظة.
وينظر الفتى لصديقه وهو يفارق الحياة وعيناه تدمع وقلبه يخفق بدقات متتالية عالية السرعة، وعقله وضميره يعلمان جيدًا بأنه هو المقصود وأن صديقه قد دفع ثمن الثأر بدلًا منه، وجاءت عائلة القتيل تودعه وتتراحم عليه وتطلب من الشرطة الدفاع عن ولدها وبدأت القضية ولكنها سرعان ما انتهت بالإفراج عن القاتل وطمس معالم قضيته ومحاكمته، فقد لعب المال دوره وساندته النفوذ.
ولكن أهل القتيل قاموا بتقديم طلب بالتظلم وإعادة المحاكمة مرة أخرى، وكما لعب المال دوره في المرة السابقة سيقوم بالدور عينه في المرة القادمة.
ولكن هيهات هيهات فأثناء المحاكمة وبينما الجميع ينتظر كلمة القاضي، والقاتل يترقب مصيره للمرة الثانية، وأهل القتيل يتمنون القصاص ويدعون بهذا.
وإذ بشاب يقفز قفزةً تنقلب إثرها الدنيا رأسًا على عقب، حيث يطعن القاتل في قلبه كما فعل بابن عمه في قاعة المحكمة لا يهمه هيبة ولا يهمه قضاة، بل شغله الشاغل هو ثأره.
وبموت القاتل يثور من في القاعة من أهله، ويفرح أهل القتيل بابنهم الذي أخد بثأر قتيلهم دون علم منهم بهذا، ويتغير مجرى القضية ويتبدل ليظهر قاتل آخر في الصورة.
وتبدأ قصة جديدة لشاب قتل قاتل ابن عمه بالخطأ، وهناك من لا يغمض لهم جفن منتظرين الحكم على الشاب، ويحدث ما لا يتوقعه أحد فوكيل النيابة المحقق في القضية ينتمي لأقصى أطراف صعيد مصر مؤمن هو نفسه بالثأر وعزته.
علم بكل تفاصيل القضية وما حدث بها من تلاعب، ومعجب بالشاب وفعله.
وتحول مجري الأحداث مرة أخرى ليحكم على الشاب بالسجن لمدة عام من أجل حرمة المحكمة فقط، وتقيم عائلة القتيل بالخطأ العزاء معجبة بابنهم البار بأهله الذي تحول ليكون حلم كل فتاة داخل القرية، فهو الأسطورة التي حققت العدل والكرامة والعزة، فكيف لأية فتاة لا تحلم بمثل هذا الشاب زوجًا يصونها ويصون كرامتها، فهو الرجل الذي أعاد للرجولة وزنها مرةً أخرى.
ولكن قصتنا لم تنته عند هذا الحد، بل دخلت عائلة جديدة دائرة القصاص والثأر، فالقاتل الذي قتل بالخطأ لن تسكت عائلته عن قتل ولدها بل صارت تواجه بالثأر عائلتين بدلًا من عائلة واحدة، وتستمر حكايات لم تقفل ولن تنتهي بعد ليبقى من خلالها للثأر أساطيره.