أمريكا وحماية العرب من إيران
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
صرحت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتهابأنها تتعهد بتأمين أمن العرب في مواجهة إيران وقدراتها الصاروخية المتزايدة.(وكالات الأنباء في٩/٧/٢٠٢٠م) وهو تصريح يحتاج إلى التوقف عنده.
على الجانب الآخر يصرح هوك الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية في شئون إيران، بحث إيران على التفاوض مع الرئيس الأمريكي ترامب، لأن امتناعها عن التفاوض معها يضيع فرصة جيدة من يدها.(المونيتور٩/٧/٢٠٢٠م)،
وفي نفس الوقت يصرح مكينزي قائد القوات الأمريكية في منطقة غرب آسيا بأن واشنطن لا تسعى للدخول في حرب مع إيران، وإنما يكتفي الجيش الأمريكي برد الفعل تجاه إيران.(تليفزيون بي سي آي في ١٠/٧/٢٠٢٠م)
كما أشارت بعض الصحف الأمريكية إلى أن الولايات التحدة وإسرائيل قد بدأتا استراتيجية جديدة ضد إيران، تتضمن مشروعات للقيام بعمليات سرية ضد البرنامج النووي الإيراني دون الدخول في حرب، وأشارت إلى أن هذه العمليات تستهدف اغتيال كبار قادة جيش الحراس الإيراني وإضعاف المشروع النووي الإيراني.(صحيفة نيويورك تايمز في٨/٧/٢٠٢٠م)
وتأتي هذه التصريحات مثيرة للعجب، ففرض وصاية على العرب، يثبت علنا فشل العرب في التعامل مع إيران، واستنجادهم بالولايات المتحدة، وإن سكوت العرب عن التعليق على هذا التصريح موافقة ضمنية على هذه الوصاية. خاصة وأن هذه التصريحات تأتي متزامنة مع عدد كبير من الحوادث والأحداث التي ينبغي أن نتوقف عندها، فمع وقوع عدد من الانفجارات في مواقع متعددة في إيران، منها نطنز وغرب وشرق طهران،
والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يجتمع بشكل مستمر من أجل دراسة حقيقة النوايا الإسرائيلية الأمريكية، في إطار التفجيرات الأخيرة، وخاصة في أحد إحداثيات البرنامج النووي الإيراني وهو مركز تركيب أجهزة الطرد المركزي في منطقة نطنز، وقد وصف علي ربيعي المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أحداث التفجيرات التي وقعت بالقرب من طهران بأنها خطوة في مسار الخطوط الحمراء للسلام والأمن العالمي، وهو ما تسعى إليه إسرائيل.(وكالة أنباء ايسنا في٧/٧/٢٠٢٠م)
إلا أن سيد عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قد صرح بأن الوقت مازال مبكرا للحكم على حادث انفجار نطنز، ومن الطبيعي أن أي حادث يقع في أي مكان يطرح اسم إسرائيل سريعا على لائحة المتهمين بارتكابه، لكن الأجهزة الأمنية المعنية لدينا تقوم بدراسة دقيقة الآن حول تفاصيل الحادث، فإذا تأكدت من وجود أيدي أجنبية فإنها ستعلن هذا، وستتخذ الإجراءات المناسبة.(وكالة أنباء فارس في٩/٧/٢٠٢٠م)
في حين قال سيد يوسف طباطبائي نجاد خطيب جمعة أصفهان في خطبته: إن تضخيم حادث نطنز من جانب القوي الأجنبية وخاصة إسرائيل يهدف إلى انتسابه إليها من خلال ترويج عملائها في الداخل، لكن دراسة تتم الآن لمعرفة الأسباب الحقيقية للانفجار.(وكالة أنباء فارس في ١٠/٧/٢٠٢٠م)
ويؤكد حجة الإسلام مجتبى ذو النوري رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أن الدراسات التي تتم في حادث نطنز تقترب من تحديد أسبابه.(وكالة أنباء فارس في ١٠/٧/٢٠٢٠م)
من الواضح أن سكوت إيران رسميا يعني أنها لا تريد أن تتعجل في تحليل الموقف، خاصة مع ملاحظة أن الإعلام الغربي يضع إسرائيل على رأس قائمة المشتبه فيهم، وهو ما يشكك في حقيقة نوايا أمريكا تجاه إيران والعرب معا.
ويتزامن هذا أيضا مع اتفاقين خطيرين بين إيران وسوريا وبين إيران والصين. فقد نتج عن زيارة اللواء محمد باقري رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة السرية لسوريا توقيع اتفاق بين إيران وسوريا للتعاون العسكري والأمني بين الدولتين إلى أعلى مستوى ممكن، ومن الواضح أن من وقع الاتفاق من الجانب الإيراني رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة، وليس قائد جيش حراس الثورة،
وهذا يعني أن إيران يمكن أن تدخل رسميا الحرب إلى جانب سوريا ضد أي طرف إذا اقتضى الأمر ذلك، والطرف المرشح أو المقصود هو أمريكا وإسرائيل. فضلا أن إيران لم تعقد مثل هذا الاتفاق إلا مع العراق، لكن الفرق أن الذي وقعه من الجانب الإيراني هو قائد جيش حراس الثورة، وهو ما سمح لإيران أن ترسل جيش القدس إلى العراق في مواجهة تنظيم داعش، لكن مع دخول جيش حراس الثورة قائمة العقوبات، جاء الاتفاق مع سوريا من خلال الجيش النظامي، فأصبح رسميا ويتفق مع قرارات الأمم المتحدة، خاصة وأن من أهم بنود الاتفاق دعم إيران لنظم الدفاع الجوي السوري، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل، يرد على تهديد التحرك الجوي الإسرائيلي ضد سوريا وإيران، ومن ثم فقد نقلت إيران تواجدها العسكري في سوريا بشكل رسمي، وأصبح لديها حرية أكثر في حركتها، وتأثيرا مباشرا على التحرك الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة.
أما عن اتفاق التفاهم الطويل المدى لمدة ٢٥ عاما، الذي وقعت إيران مسودته مع الصين، فلم يكن بحركة من الحكومة الإيرانية بل بأوامر مباشرة من زعيم النظام، حيث أرسل ممثلا شخصيا له إلى رئيس جمهورية الصين، مقترحا عليها هذا الاتفاق، الذي وافق على اتفاقية التفاهم هذه، وهو ما يعطي الاتفاق أولوية أولى وخطرا كبيرا، وتحولا خطيرا لمنعطف الأحداث في المنطقة، والعلاقات الأمريكية الصينية الإيرانية في المنطقة.
يقول غلام رضا مصباحي مقدم عضو مجمع تحديد مصلحة النظام الإيراني:
إن ميل الحكومة للتعامل مع الغرب واضح، لكن إقدام الزعيم على إرسال مبعوث خاص منه إلى رئيس جمهورية الصين للتفاوض حول عقد اتفاق تفاهم طويل الأجل بين البلدين يمثل فرضا على الحكومة لم يكن في نيتها.(صحيفة ايران في ١١/٧/٢٠٢٠م) وهو ما يعني تغيرا انقلابيا في السلوك الإيراني في المنطقة، لأن إدخال الصين في تعاون بهذا الحجم، يتضمن تفاهما سياسيا واقتصاديا وعسكريا، يؤدي إلى اختلاف المعايير والحسابات لدى جميع الأطراف من أمريكا وإسرائيل إلى إيران والصين والعرب.
إن ما تقوم به أمريكا وإسرائيل والصين وروسيا وتركيا الآن في المنطقة يضع العرب مع إيران في سلة واحدة، فهناك حصار يمتد من غرب الوطن العربي إلى شرقه ومن جنوبه إلى شماله، وتأتي التحركات الأمريكية الإسرائيلية والروسية والتركية والصينية الحالية لسد الثغرات في دائرة الحصار هذه، فإذا وضعنا في اعتبارنا الخسائر التي يلحقها فيروس الكرونا في الدول الكبرى خصوصا، يمكن أن ندرك السبب في إشعال المنطقة الآن، والذي لا يستهدف إلا أمرا واحدا وهو تعويض خسائر هذه الدول على حساب منطقة الشرق الأوسط.
يبدو الارتباك واضحا في موقف الدول العربية تجاه الأحداث الراهنة في المنطقة، ولعل هذا الارتباك ناتج عن عدم الثقة في أي من الطرفين الغربي والشرقي والإيراني، لكن دراسة متأنية يمكن أن تحل هذا الارتباك، واتخاد الموقف الأصلح في هذه الظروف، وحتى يمكن اتخاذ موقف إيجابي، ينبغي ملاحظه أن كثيرا من الدول العربية يعتمد في حركته الداخلية على ظروفه الخارجية، ومن ثم تقوم سياسته الداخلية على سياسته الخارجية، فضلا عن أن هذه السياسة تابعة لسياسات دول أخرى، ترى أنها أكبر وأقوى، وأكثر قدرة وأكثر حكمة. وهو أمر يتنافى مع العقل والمنطق، فمن المفروض أن الحركة الداخلية، وسياسة بناء الدولة وتقدم البلاد، هي التي ترسم السياسة الخارجية، وتحدد أصول وإطار وحجم حركة السياسة الخارجية.
إن أزمات المنطقة ناجمة عن الاتجاه العكسي في سياسات دولها، فالاتجاه غربا أو الاتجاه شرقا لم يحل مشاكلها، بل لعله زادها تعقيدا، رغم أن دول المنطقة أغنى من دول مناطق أخرى أكثر استقرارا. لاشك أن المنطقة محط أطماع الغرب والشرق على السواء، وفي اعتقادي أن هذا الأمر لا يشكل معضلة، بل يفتح الفرص، بشرط أن يكون التعامل معه حكيما. فهناك إغراءات تقدم لدول المنطقة، لكنها تخفي وراءها جشعا واستنزافا هائلا لثرواتها.
ينبغي أن يدرك العرب أن إيران ليست قوة مخيفة، كما أن من مصلحتها التعامل السلمي الإيجابي مع العرب، ومن ثم على العرب أن يدرسوا إيران جيدا للتوصل إلى كيفية التعامل معها، ويدركوا أن المذهب الشيعي الذي يقوم عليه النظام الحاكم في إيران مذهبا سياسيا، وليس مذهبا دينيا، وأنه يرفع شعار المصلحة في إطار ديني، وهو ما يجعل إمكانية التعامل معه متاحة، بل لعلها توقف النزيف المادي والمعنوي، الذي يحصل عليه الغرب وإسرائيل وغيرهما دون عناء.
إننا في حاجة إلى دراسات علمية استقرائية ومستقبلية جديدة للأوضاع في المنطقة، يمكن من خلالها للعرب أن يراجعوا سياساتهم الخارجية، وتوجهات حركتهم في المنطقة، وكذلك علاقاتهم بين بعضهم البعض، وبينهم وبين أمريكا، وبينهم وبين إسرائيل، وبينهم وبين إيران، وبينهم وبين تركيا، وبينهم وبين روسيا.
لابد لهذه الدراسات أن تهدف إلى تحقيق مصالح العرب وأمنهم، والحفاظ على حياة وثروات بلادهم، وليس أقل من التفاهم العلمي والمنطقي بين الدول العربية، إن كانت وحدة الوسيلة أو وحدة الكلمة مستحيلة.
وياحبذا لو كان توجههم إلى الله والعمل بأوامره في الاعتصام بحبل الله.