مستقبل البحث العلمي التربوي بالجامعات الإسلامية بعد أزمة كورونا
د. آمال محمد عتيبة
لا شك أن الأزمةُ التي يعيشُها العالمُ حاليّا جرّاءَ ظهورِ فيروس كورونا تمثلُ أكبرَ أزمةٍ عالميةٍ في العصر الحديث، كما تنبئ لا سمح الله بأخطارٍ قادمةٍ قد لا تحمدُ عقباها إلى جانبِ المعاناةِ الرهيبةِ التي تعيشُها الآن كلُّ دولِ العالمِ وبدون استثناء؛ لاحتواءِ تفشّي هذا الوباءِ والسيطرةِ عليه.
ومن هنا يمكننُا التساؤلْ عن الوضعيّةِ الحقيقيةِ للباحثينَ المسلمينَ في شتّى أنحاءِ العالم.
وما هو الدورْ الذي يمكنهم القيامُ به لخدمةِ بلدانهم؟ وماذا يمكن فعلُه في العالمِ الإسلامي لاستقطابِ مفكريه ومساعدتِهم لتحقيقِ هذا الهدف؟
وما الذي كشفتهُ هذه الأزمةُ الحاليّةُ عن وضعيّةِ البحثِ العلميِ والإنسانيِّ في العالمِ الإسلامي؟.
وقد استدعت تلك الأزمة ضرورةَ الاهتمامِ بالبحثِ العلميِ وتشجيعِ العلماءِ وإنشاءِ المعاملْ، ورصدِ الميزانياتِ الضخمةِ من أجلِ العلمِ والعلماءْ،
ذلك أن أزمةَ كورونا (كوفيد 19) قد أفرزتْ قيمًا لصالحِ البحثِ العلميِّ والطبيِّ، وجعلتنا نرى بوضوحٍ أهميةَ دورِ العلمِ والطبِ في هذه الأزمةْ.
ولكن ماذا عن البحثِ التربويِّ الإسلاميْ؟
من المؤكد أننا بحاجةٍ إلى بحوثٍ رصينةٍ تتناولُ موضوعاتٍ أفرزتها الأزمةُ على مستوى الفردِ والأسرةِ والعلاقاتِ الاجتماعيةِ والمشكلاتِ النفسيةْ،
ونحن بحاجةٍ أيضا لنوعٍ معينٍ من الدراساتْ وخاصةً لما بعدَ الصدمةْ، وتحديدًا إجراء دراساتٍ علميةٍ تدرسُ الواقعَ في المجتمعِ ويشتركُ فيها متخصصون من مختلفِ فروعِ علمِ النفسِ، وتكونُ قائمةً على بياناتٍ رصينةٍ تساعدُ صناعَ القرارِ في اتخاذ القراراتِ السليمةْ، وبحاجةٍ لطرقِ تقديمِ الدعمِ النفسيِّ للفئاتِ المتضررةِ من هذا الفيروس، وفنِ واستراتيجياتِ إدارةِ الأزماتِ على مستوى الأفرادِ والمؤسساتِ والحكوماتْ، وبحاجةٍ لدورِ علمِ النفسِ التربوي، والصحةِ النفسيةِّ وعلمِ النفس الإيجابيِّ في تقديمِ الاستشاراتِ النفسيةِ كتخصيصَ خطْ ساخنْ لذلك، ومواجهةِ الشائعاتِ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ. وتقديم ما يُسمى بالإسعافاتِ الأوليةِ النفسيةِ لكلِ أفرادِ الأسرةْ.
نحنُ بحاجة لدراساتٍ تقييميةٍ للتوازنِ النفسيِّ للأفرادْ، وقياسِ القلقِ وتـأثيرِ الإعلامِ فيه، ودراساتٍ لما بعدَ الصدمةْ، وأيضا يهمنا دراسةْ وقياسْ إيجابياتِ كورونا في الوضعِ الراهنِ وما بعدِه، وقياسِ تكيفْ الأفرادِ في المحجرِ أو المستشفياتْ، وتفسيرِ السلوكِ الجديدِ أثناءَ الأزمةِ وما بعدها: العلاقاتْ الأسريةْ، التعاملْ مع التكنولوجيا، والتعاملْ مع الشائعاتْ، وإدارةْ الأزماتْ للجميعْ، كيفيةْ الرعايةِ اللازمةِ لكبارِ السنِ وقتَ الأزمةْ، رعايةْ الأطفالِ واستيعابِ مخاوفهمِ والحدِ مِنْ شعورِهم بالقلقِ والتوترِ، وطرقِ الإجابةِ على تساؤلاتهمْ.
ونجدُ أنَّ معظمَ الدراساتِ التي أجريتْ في هذا المجال ركزتْ على التحصيلِ الدراسيِّ وإدارةِ العمليةِ التعليميةِ عن بُعد، ولكننا بحاجةٍ إلى دراساتٍ عن النموذج السلوكي كدراسةِ سلوكِ الإنسانْ في مواقفْ معينةْ كسلوكِ المخاطرةِ والتخليِ عن التحكمْ.