كتبت: إيناس مقلد :
أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوجان أمس الجمعة فتح متحف آيا صوفيا فى إسطنبول أمام المسلمين لأداء الصلاة بعد تحويلها إلى مسجد، وذلك فى أعقاب إبطال محكمة تركية وضعها الحالى كمتحف. وقال أردوجان فى بيان نشر عبر تويتر: «تقرر أن آيا صوفيا ستوضع تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية وستفتح للصلاة». وكانت أعلى محكمة إدارية فى تركيا قد أصدرت أمس الجمعة قراراً ينزع صفة «المتحف» عن كاتدرائية «آيا صوفيا»، وهو ما يعيد الطريق أمام تحويل المنشأة التاريخية إلى مسجد مرة أخرى.
ووافق مجلس الدولة (شورى القضاء) التركى على طلبات قدّمتها منظمات عدة بإبطال قرار حكومى يعود إلى عام 1934 يعطى الموقع وضع متحف، وفق ما أوردت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية. وأعلنت المحكمة أنها «قررت إبطال قرار مجلس الوزراء موضوع هذا الطلب». وأوضحت المحكمة أن آيا صوفيا مسجّلة مسجدا فى
سندات الملكية التى تحمل إسم مؤسسة محمد الفاتح، السلطان العثماني الذى «فتح» القسطنطينية في القرن الخامس عشر، وأن هذا التصنيف غير قابل للتعديل.
والأسبوع الماضي رفض أردوجان الإنتقادات الموجّهة إلى مساعيه لتحويل كنيسة آيا صوفيا السابقة فى إسطنبول إلى مسجد، رغم القلق الذى تثيره هذه الخطوة فى تركيا كما فى الخارج.
وقال أردوجان إن «توجيه إتهامات إلى بلدنا فى مسألة آيا صوفيا هو بمثابة هجوم مباشر على حقنا فى السيادة». وعبّر الرئيس التركى رجب طيب أردوجان أكثر من مرة عن دعمه لتحويل المعلم إلى مسجد، وهو يعرف بحنينه إلى الإمبراطورية العثمانية ويسعى إلى الحصول على دعم القاعدة الإنتخابية المحافظة فى ظل الأزمة الإقتصادية المترتبة على تفشى فيروس كورونا المستجد.
وإعتبر الرئيس التركي العام الماضى أن تحويل آيا صوفيا إلى متحف كان «خطأ فادحا».
ومنذ وصول أردوجان إلى السلطة فى عام 2003 تضاعفت الأنشطة ذات الطابع الدينى الإسلامى داخل آيا صوفيا. وقال مجاهد سيليك المقيم فى إسطنبول: «أنا بغاية التأثر. فقدان آيا صوفيا وضعها كمتحف وإعادتها مسجداً يفرح كل المسلمين». وقال أومت كاغرى المقيم أيضا فى إسطنبول: «إنه قرار كنت أنتظره منذ سنوات»، مستنكراً تأخر البت فى هذه المسألة. وتجمّع نحو خمسين شخصاً أمام الموقع وسط إنتشار كثيف للشرطة ملوّحين بالأعلام التركية وهاتفين «كسرت الأغلال» إحتفالا بالقرار القضائى.
وآيا صوفيا تحفة معمارية شيدها البيزنطيون فى القرن السادس وكانوا يتوّجون أباطرتهم فيها. وقد أدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، وتعد واحدة من أهم الوجهات السياحية فى إسطنبول.
وبعد إستيلاء العثمانيين على القسطنطينية عام 1453م تم تحويلها إلى مسجد فى 1453 ثم إلى متحف فى عام 1935 بقرار من رئيس الجمهورية التركية الفتية حينذاك مصطفى كمال أتاتورك بهدف «إهدائها إلى الإنسانية».
ويثير مصير آيا صوفيا قلق اليونان وروسيا اللتين تراقبان عن كثب الإرث البيزنطى فى تركيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا اللتين حذّرتا أنقرة من تحويلها إلى مسجد، وهو ما يسعى إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوجان منذ سنوات.
وإعتبرت وزارة الثقافة اليونانية أن قرار المحكمة التركية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يمثل «استفزازاً صريحاً» للعالم المتحضر. وقالت وزيرة الثقافة لينا ميندوني فى بيان: «القرار التركى، الذى جاء نتيجة الإرادة السياسية للرئيس رجب طيب أردوجان، استفزاز صريح للعالم المتحضر الذى يعترف بالقيمة الفريدة والطبيعة المسكونية لهذا المعلم الأثرى». وعبرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عن أسفها لعدم إصغاء القضاء التركى إلى «مخاوف ملايين المسيحيين»، وسماحها بتحويل كنيسة آيا صوفيا السابقة فى إسطنبول إلى مسجد.
من ناحيتها، نبهت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إلى أن آيا صوفيا أُدرجت ضمن التراث العالمي باعتبارها متحفا، وهذا الأمر له طابع إلزامى. وأعربت «يونسكو» عن قلقها للسلطات التركية، من خلال عدة رسائل عبر السفير التركي لدى اليونسكو. ويقول معارضون فى تركيا إن الرئيس التركي الذي دافع عن هذه الخطوة يسعى إلى إستمالة المحافظين من خلال هذه الخطوة. وتصوير هذا القرار بشأن آيا صوفيا بمثابة إنجاز.